Quantcast
Channel: حديث الأربعاء
Viewing all 40 articles
Browse latest View live

الأربعاء التاسع _ الخاصرة اللحوح

$
0
0


الأنباء الواردة من أرض الوطن، حملته على التفكير جديا بحزم حقائب الرجوع بعد اغتراب زاد عن العشر سنوات، فقد بلغه أن أمه مصابة بمرض نادر حارت به أطباء العالم من المدينة الطبية إلى "مايو كلينيك"، حكة شديدة في الخاصرتين جعلت ليلها نهارا !!

وما بين شيطان يعده الفقر إن هو عاد وترك شجرة النجاح التي أينعت وبدأت تؤتي أوكلها، وضمير يلح عليه بالرجوع، لأن مال الدنيا لا يساوي عبارة ( الله يرضى عليك يمة)، ينشطر الفتى إلى نصفين مثل قمر صار هلالين، واحد في أقصى يمين السماء، وآخر في أقصى الشمال.


يغافل ضميره الحي الشيطان في قيلولته، ويعود الفتى إلى دياره تاركا وراء ظهره كل شيء، لا يرى أمامه إلا صورة أم فارقها منذ عقد من الزمن.

تنحسر المسطحات الزرقاء والخضراء بعد ست ساعات من الطيران، لتحل محلها المساحات الصفراء، فيدرك الفتى أنه يحلق فوق الأراضي العربية، وهناك فوق تلك الأراضي الصفراء العطشى، أم قلبها أشد عطشا لرؤية ولد مرت سنين غيابه دهورا.

المضيفة الحسناء التي قد تكون آخر شييء جميل يراه، تهنيء الركاب على سلامتهم، و الفاصل الآن بين قدميه وأرض الوطن هو سلم الطائرة، ومن بين كل الوجوه المترقبة، يلتقط وجه أمه المتعب، فيركض نحوه بجنون، ولا يلبث أن يقبل وجنتيها حتى يلقي برأسة على يديها اللتين صارتا خشنتين بالتقادم، فيطبع القبلة الأولى، ولكن الثانية تطبع بريق خفيف، فأمه تسحب بيدها لتهرش خاصرتها، فيحزن عندما يشاهد بعينيه ما كان يسمع عن معاناتها.
وتمضي أيام قليلة، قبل أن تستدعيه في أحدى الليالي لتحدثه عما يؤرقها، ويقرأ في نظراتها ما يجول بخاطرها، ففي عين الأم كلام عن عمر أزفت نهايته، وهي لا تريد أن توارى الثرى قبل أن ترى وحيدها عريسا ... فيرضخ الولد البار لرغبات أمه.

وتبدأ رحلة البحث وطرق الأبواب، وتطول الرحلة، ويمل الفتى الذي لا رغبة له في الزواج، والأم التي تشعر بدنو أجلها تجول بين البيوت متمايلة على مهل هارشة خاصرتها لا تمل !!

وفي كل مرة يظن الفتى أنه وجد مبتغاه، يتفاجاء برفض أمه، فذات مرة زارا منزل فتاة جميلة ذات خلق، ولكن الأم أبلغت ولدها في طريق العودة بالرفض، معللة بأن هذا النوع من الفتيات يهرم ويشيخ بسرعة !! وفي مرة أخرى أبلغته بالرفض بحجة أن منزل العروس يقع على درج، فتعجب من السبب، فراح يسأل أمه ما إذا كان سيسكن في بيته أو في بيت أهل العروس، فجاء جواب الأم " وكيف لجدتك وهي التي لا تسطيع المشي أن تصعد ذلك الدرج لتعاين العروس"، فصعق من هذا الرد، لأن جدته إمرأة عجوز خرفة، فقدت حواسها الخمس، وقبل يومين عندما دخل عامل الأنابييب بيتهم ليستبدل أنبوبة الغاز، سألته الجدة ما إذا كان مرتبطا أم لا، لأنها تبحث عن عروس لحفيدها ... لقد ظنت الجدة أن عامل الأنابيب فتاة جميلة !!

وحدث الكثير الكثير، فمرة كانت الأم تتذرع بكبر حجم أنف العروس، ومرة برفع اليدين، ومرة ... ومرة... بيد أن الرفض الأغرب، كان عندما تشأمت من عرقوب إحدى الفتيات النحيل، مبررة ذلك التطير بأن هناك معتقدا قديما مفاده أن الفتاة ذات العرقوب النحيل قدمها شؤم على البيت الذي تحل فيه !!

وتنتهي الرحلة، عندما تجد الأم فتاة طيعة مطيعة، تلبي ما يمر على بالها من نظرة، وفي حفل زفاف مهيب يدفع فيه نصف شقاؤه في بلاد الغربة، ترقص الأم حد الجنون، وكأنها تطرد الأرواح الشريرة من جسدها مثلما تفعل النساء في حفلات (الزار)،

وتختفي الهرشة ... منذ تلك الرقصة !!

وتمضي الأيام ... والفتى الذي صار رجلا ينصرف إلى حياة ليست مثل سابقتها، وهو الآن، بعد عشرين عاما إلا قليلا، يمضي نصف يومه في النوم، والنصف الآخر في المسجد، فهو لا يستطيع أن يزاول الحياة كما البقية من الناس، فإذا جلس في البيت سيضطر لسماع مكالمات زوجته الهاتفية مع أمها وأخواتها التي تمتد من الصباح حتى ساعة الغداء، أو ستأتي أمه التي جعلته يهجر غربته ليغترب في وطنه، تلك الأم التي لا زالت حية تسعى بكامل صحتها وعافيتها، وهي التي كانت تحتضر قبل عشرين عاما !!، ستأتي لتبادله حديثا لن يجد فيه انسجاما، وإذا ما خرج إلى الشارع فستؤذي عيناه مشاهدة فتيات الوطن اللواتي يشبهن بعضهن بعضا حد التطابق، وقد صارت رؤوسهن مثل أسنمة الجمال بسبب الكرة التي يضعنها تحت (حجاب الأميرة) لتصبح رؤوسهن أكبر من أجسادهن، أو بسبب بناطيلهن الساحلة التي تسمى (جزرة) والتي تفضح قصر أقدامهن، ولشباب الوطن حكاية أخرى، هؤلاء الشباب الذين يضعون على شعرهم "الواكس" ليصبحوا مثل منفضة الغبار، أو بسبب أحذيتهم التي تمتد أبوازها إلى ما لا نهاية !!

ولده الذي خرج به من الدنيا في الشهور الثلاثة الأولى من زواجه، قبل أن يصاب بالعجز الجنسي الذي سببه توالي فواتير الكهرباء والماء وفواتير الأطباء، وارتفاع الأسعار بشكل يتناسب تماما مع تناقص الدخل المستمر !! والحياة بمجملها التي يحياها _ عيشة الكلاب _ الغير صالحة للاستهلاك الحيواني، ولده هذا كبر اليوم وتجاوز امتحان الثانوية العامة بتفوق، لذلك قرر بطل قصتنا أن يستثمر بقايا عقله المتبقية قبل أن تتلف هي الأخرى، فقرر أن يرسل ولده إلى الخارج لاستكمال دراساته العليا.

وفي المطار، يهمس في أذن ولده في غفلة من الأم، فيقول " إياك والعودة إلا ميتا"، وتقلع الطائرة وتبتعد حتى تغيب في زرقة السماء، وتعاود سيارة الأبوين وجهتها نحو منزلهما،

وفي منتصف الطريق ...
تهرش زوجته خاصرتها، فيركن السيارة إلى جانب الطريق، ويطفيء المحرك، ثم يأمرها بالنزول، ويخرج من جيب السيارة شريطا كان قد اشتراه لإتمام خطته ، يضع الشريط في المسجل، فيكون الشريط (رقص شرقي)، يرفع الصوت إلى المستوى الأعلى، وينزع منديل زوجته عن رأسها، ويحزمها به، ويأمرها بخلع حذائها والصعود فوق سقف السيارة، فترقص الزوجة حافية القدمين، والرجل يصفق بشكل هستيري ويقول :


كلما ألحت عليك خاصرتك ... أرقصي ودعي ولدنا لمستقبله !!


الأربعاء العاشر - زوج الست

$
0
0


خامسنا الغائب منذ دخوله القفص الذهبي، صار اليوم أكثر حضورا وألقا بسيرته التي لا تنفك تجري على ألسنتنا ما دمنا مجتمعين، فقد أصبح مادة دسمة للتندر منذ زواجه من ذات منصب ومال.

الداخل إلى قلب إمرأة مفقود، والخارج منه موجود على طاولات لعب الورق وصالات "البليارد"، وتجدنا لا نحتاج إلى خوض بعيد في الذاكرة حتى نستذكر مواقف "الفقيد"، فنحن نعيش معه ساعة بساعة بخيالنا الشبابي المرح، فالسمين الجالس إلى يميني يقول ناظرا إلى ساعته : " إنه الآن يسخن الماء والملح، لتنعم زوجته بمساج أقدام دافيء بعد جولة متعبة في المول، كان يحمل بها الأكياس، وهي من أمامه تتمايل وتتلفت إلى واجهات المحلات" !!
فننفجر ضحكا، ولا تلبث ضحكاتنا أن تفتر حتى تلتهب من جديد بعد أن يستطرد قائلا : " وفي العام القادم، وفي مثل هذا التوقيت بالضبط، يزيد على تسخين الماء والملح، تسخين الحليب للــ"بيبي" القادم على الطريق" !!

ويعترينا الذهول عندما نحسب أن مداخلة الرياضي الجالس في الكرسي المقابل لي كانت دفاعا عن "الفقيد" فقد قال " لا تظلموا الرجل، فلا زال صاحب الضربة القاضية في كل نزال يخوضه فوق حلبة بيته"، ولكن أساريرنا سرعان ما تنفرج بعد أن انقبضت ذهولا، بل نتجاوز تلك الحالة لندخل في هستيريا من الضحك عندما يتابع الجزء الثاني من المداخلة ويقول : " نعم ففي كل نقاش أو مناوشة، يكون صاحب الكلمة الأخيرة الفاصلة، عندما ينهي الحالة بعبارة حاضر ... كما تريدين" !!

ويزداد الطين بلة عندما يأتي دور المثقف اليساري الجالس إلى يساري، فقد قال بعد أن أبعد خرطوم النرجيلة عن فمه : " إنه ذنبي، فأنا الذي أعرته كتاب أسطورة الأمازونيات الإغريقية، لقد تأثر بها حتى ظن أن زوجته آخر المتبقيات من سلالة الملكة "مورينا" التي حاصرت مملكة "الأطلانتيس" ثم غزتها فهزمتها، تبا لذلك المجتمع الأنثوي الذي ساد في العصر البرونزي"، ورغم أننا لم نفهم كلمة واحدة من الذي قال، ولكن قهقهاتنا هزت الجدران والنوافذ، ثم تابع قائلا وسحب دخان النرجيلة تطاير من فمه : " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، لو كانت دماء الأحرار تسري في عروقه لما رضي أن يعيش في ظل إمرأة ... تبا للثقافة المجزؤة " ثم أتبع ذلك بلكمة قوية كانت من نصيب الطاولة المستديرة التي نتحلق حولها، فحدجنا صاحب المقهى الذي نجلس فيه بنظرة نارية، كادت أن تحرمنا الإنجاب !!

يصمت الجميع حتى أدلي بدلوي وتكتمل به دائرة السخرية التي يقف في مركزها صديقنا ( جوز الست)، ولكن لساني ينعقد، فظهر قلبي أصم، ولساني لا يحركه إلا جوف قلبي، وأولى أن أسخر من نفسي والجالسين على أن أسخر من خامسنا الغائب، فالسمين سيذل نفسه بعد قليل عندما سيقبل قدم سائق "التاكسي" ليرضى أن يقله، فهم يمتنعوا عن ذلك بسبب وزنه الزائد !! فماذا لو تزوج من ميسورة ودلك أقدامه في كل ليلة للحصول على سيارة تقاوم وزنه الزائد؟ أوليس هذا رحمة إذا ما قورن بتقبيل سائقي "التاكسي" !!
والطريق إلى بيت الرياضي ستأخذ وقتا مضاعفا بعد أن يسلك طريقا فرعيا مطولا يجنبه مواجهة الخباز والبقال والجزار اللذين لن يتورعوا عن منادته بأعلى صوت كي يسدد ديونها المتراكمة على صفحات دفاترهم !! فماذا لو تنازل عن عنترياته وبطولاته الدونكيشوتية وتزوج من ثرية تضربه القاضية في كل نقاش ومناوشة مقابل تسديد ديونه التي أراقت ماء وجهه !!
وماذا لو تزوج المثقف من غنية ترده إلى الزمن الحاضر بدلا من زمان "الإغريق" الذي يعيش فيه، فماذا فعلت له الثقافة والكتب إلا نظارة صارت مقاومة للرصاص لشدة سماكة عدساتها، وشعر كثيف مثل شعبة مرجانية !!
نذل أنفسنا للجميع ... إلا ... لإمرأة

مسكين أنا ... كرامتي كانت جسرا للمختار ومدير الشركة ودكتور الجامعة وسائق حافلة النقل العام وغيرهم الكثير، وهنيئا لصديقي الذي قرر أن ينحني لإمرأة واحدة ليرفع رأسه أمام الدنيا بأسرها، ولقب (جوز الست) أفضل من لقب (جوز الذل)،
صديقي اليوم لن يطرد من أي وطن، فمال زوجته وطن، أما نحن ... ففقرنا منفى
وإذا ما غضبت زوجته ذات يوم وقررت طرده ... فنظرة واحدة إلى عينه ستردها عن قرارها،
فبالضروة أن تلك العين ... تشبه عين أطفالها

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/

الأربعاء الحادي عشر - حضرة السلطان إمرأة

$
0
0




قبل ثلاثين عاما، وفي أحد المقاهي المنسية في شارع "المصدار"، وقع شجار عنيف بين شبان ثلاثة ساخني الدماء، فالأول أقسم أنه الوحيد المقصود بالغمزة التي أرسلتها المطربة "سميرة توفيق" في نهاية وصلتها الغنائية، لكن الثاني كذب ادعاءات الأول وأدعاها لنفسه بدليل أن الوحيد في المقهى الذي يمتلك سيارة "فوكس" حمراء ورد ذكرها في أغنية "بسك تيجي حارتنا"، تحديدا في مقطع " بين الرقة ودير الزور ... مرقت سيارة حمرا"، لكن الثالث كذب ادعاءات الإثنين وجيرها لنفسه، بدليل أنه الوحيد الذي يربي الحمام بين المتواجدين، أو بمعنى أدق "كشيش حمام"، إذ أن الحمام لم يكن جزء من أغنية، بل كان عنوانا عريضا لأغنية "رف الحمام مغرب ... يادادا" ! وهكذا تحول الجدال إلى عراك بالأيدي، ثم إلى تراشق بالكراسي !!
اليوم ... كلما تذكر الكهول الثلاثة تلك الحادثة، هرشوا رؤوسهم البيضاء خجلا، لأن الغمزة لم تكن لأحد منهم، فالمطربة كانت تغني وتغمز عبر التلفاز !!
ولم تكن "الغمزة" سلاح الغواية الأوحد، فللمطربة "شامة" على خدها الأيسر ثقبت قلوب الجيل بأكمله !!

وفي إحدى المحاكم الشرعية في مدينة "الرياض"، ضاق صدر القاضي الشرعي العامر بالإيمان بأعمال المدعوة "اليسا" بعد تسببها بالعديد من حالات الطلاق التي تراكمت أوراقها فوق سطح مكتبه، فكاد أن يصدر فتوى تهدر دمها، لكنه عدل عن الفكرة تماما بعد أن رأى صدرها العامر بــ"السيليكون" !!

وفي أحد الأزقة البائسة في قارة أمريكا اللاتينية، قامت "خوانيتا" برفع قضية تفريق بينها وبين زوجها "الفونسو" بججة لامسؤولية الأخير، فأولاد الزوجين الذين كانوا على الدوام من الأوائل، صاروا في المؤخرة بعدما انصرف انتباه أبيهم لمؤخرة "شاكيرا" !!

وفي حي أمبابة الفقير في مدينة القاهرة، أقدم مواطن على جرح نفسه جرحا قطعيا عميقا، بعد أن حطم زجاج نافذة بيته بيده، عندما امتلأ غيظا على حظه الأسود بعد مشاهدة دلع "هيفاء وهبي"، فنزف نزفا غزيرا، لم تفلح الغرز بإيقافه، فكاد أن يفقد حياته لولا عناية السماء التي أرسلت "هيفاء" إلى المستشفى والتي بـ"بوسة" واحدة للـ"واوا" أوقفت ذلك النزيف !!

ولا يقتصر الدمار الذي تخلفه النساء على خفيفي العقول فقط، فالشاعر "نزار قباني" الذي أذاب كل النساء بحلو كلامه، أحرق كتب التاريخ التي قرأها يوم أن ماتت زوجته، وراح يشهد أن العصور لم تجتمع إلا على خاصرة "بلقيس" !!
وتبدي لنا الأيام ما كنا نجهله، فالديكتاتور "زين الهاربين بن علي" لم يكن إلا دمية بيد زوجته "ليلى الطرابلسي" الحاكم الفعلي لتونس، وحتى "نابليون" الذي قهر العالم كان ولدا مطيعا لزوجته "جوزفين"، فقد همس ذات يوم في أذن ولده الصغير قائلا: " أي محظوظ أنت أيها الشيطان الصغير، فأنا أحكم العالم، وأمك تحكمني، وأنت تحكم أمك" !!

ليست حواء فقط التي تجر الويلات، فحتى الأسماء المؤنثة تأتي علينا بالكوارث، فالحرب إسم مؤنث، وكذلك الأرض التي تحزمت قبل خمسة أيام بالشريط الزلزالي ورقصت، فمات من مات في "اليابان" وشرد من شرد !!
وهكذا تفهمت وجهة نظر أسلافنا الذين ألبسوا حواء رداء الخطيئة، فكل ما ورد عنهم يؤكد بأن حواء هي التي وسوست لآدم ليأكل التفاحة، وحتى الإغريق الصقوا الشر بـ"حواء"، فـ"باندورا" هي التي فتحت صندوق الشرور الذي منعت عن فتحه، ولكن فضولها النسائي دفعها إلى فتحه فانطلقت منه الآفاعي وكان الشر !!

كل هذا ولا زالت النساء تطالب بالمساواة، فلا تكفيهن سلطتهن الناعمة المسلطة على رقابنا، بل زدن على ذلك المطالبة بأن يكن بالصورة بشكل مباشر، ولأنني رجل لا أنسى الثأر ممن ظلمني، قمت بتحفيز ابن الجيران الشاطر ووعدته بملغ مالي دسم إن استطاع أن يكون أولا على المملكة في امتحان الثانوية العامة، فأنني اشتشيط غضبا في كل إعلان عن العشر الأواائل على المملكة اللواتي يكن في الغالب من الإناث، كما قمت بإقناع صديقي الحاصل على شهادة الدكتوراة والعاطل عن العمل منذ خمس سنين، بأن يعمل في أي وظيفة مهما كانت متدنية، ثم يصعد بعد ذلك لأعلى السلم الوظيفي، فيثبت للعالم بأسره أن الرجل أفضل من المرأة، فهو صاحب ثأر أيضا، ولطالما اشتكى ظلم النساء في رحلة بحثه عن وظيفة عبر صفحات الجرائد المختصة بالوظائف الصادرة صباح كل سبت، فكل الطلبات تنتهي بالتاء المربوطة، طبيبة ، مهندسة، رسامة اتوكاد، آذنة، مراسلة، (شفيرة قلاب) !!
أما أنا فقد قمت بتأسيس حزب الرجل، وسرعان ما انهالت علي طلبات الانتساب من قبل الرجال المظاليم وما أكثرهم .

ومضى كل منا إلى غايته، ومرت سنة ...
رسب ابن الجيران الشاطر، بعدما تفرغ لدراسة حركات ابنة الجيران التي تركت ستائر نافذتها المقابلة لنافذة غرفته مشرعة، والدكتور لم يستقر في أي وظيفة، فقد طرد من خمس وظائف حتى الآن، ففي كل مرة يعمل فيها مراسلا، بتورط بعشق السكرتيرة فيطرد الأثنان معا !!

أما أنا فقد ذهبت لمقابلة الفتاة المنتدبة عن حزب المرأة، علنا نصل إلى صيغة توافقية تخفف من لهيب الحرب المستعرة بين الحزبين، وما أن جلسنا على طاولة المفاوضات، حتى وجدتني سارحا ساهما مشدوها بتينك العينين الداكنتين، فقمت من فوري، وأخرجت من جيب بنطالي ولاعتي وأحرقت دساتير ومواثيق الحزب التي سهرت والشباب الليالي الطوال على إعدادها، فما كان منها إلا أن ضحكت، فطار من ثغرها الحمام وتفتحت في فضاء المكان جنات خضراء، فازداد عقلي تشوشا، فزدت على ذلك، أن خرجت إلى المرآب وعلى طريقة "طارق بن زياد" عندما أحرق السفن بعد أن وطأت أقدام جيش المسلمين بر الأندلس، وذلك حتى لا يعود أحد منهم،
أحرقت سيارتي حتى أبقى معها ولا أعود إلى أي مكان !!

أنه حكم القوي ... أو بالأصح حكم القوية !!

........................................................................................
لمشاهدة غمزة سميرة توفيق على الرابط التالي وفي الدقيقة 1.30 ترسل متتالية غمزات

http://www.youtube.com/watch?v=Oqs8aiBAbiw&feature=related
لقرأة المزيد عن "باندورا" على الرابط التالي
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A7

الأربعاء الثاني عشر - كل عام وأنت حبيبتي

$
0
0





أتذكرين ... أتذكرين ذلك الصباح العفي الممتليء بأسباب البهجة، يومها قلت فيك غزلا ما قلته لامرأة من قبلك، ضحكتِ وسألتني ما إذا كنت قد نسيت لساني منقوعا بالسكر ليلة الأمس، فجاء ردي سريعا : " بل نسيته غافيا على خدك "، توردت وجنتاكي وقلتي : " لا تقصص ما قلت على امرأة غيري، نساء اليوم قلوبهن خفيفة"، ضحكت من قلبي وقلت : " على أساس أن قلبك فولاذي، وقد استحالت وجنتاكي تفاحا أمريكيا أحمر من شدة الخجل "" !!
لطالما اشتهيت أن أقضم خدك، لكني كنت مؤمنا بأن قلب المرأة على خدها، كنت أخاف على قلبك الذي ينبض بحروف اسمي !!

أحيانا ... يحدثني أصدقائي عن تفاني جبيباتهم، يقول أحدهم مثلا : " تصور أن حبيبتي تنازلت عن راتب شهر كامل لتشتري لي في يوم ميلادي هذه الساعة التي تزين معصمي "، فأرد عليه " تصور أن حبيبتي تجردت من كل أساورها الذهبية وتخففت من أقراطها يوم أحست أني في ضائقة "، فيقول : " ياسلام "، فأشرح له بأن ما يربطني بمحبوبتي حبلا سريا وليس محبسا معدنيا !!

غريب أمرك يا حبيبتي ... فأنا المعروف بنزقي وحرارة دمائي، حتى أنها تكاد تحرق عروقي، أكثر ما يطيب لي سخريتك علي، فلا زلت أذكر ذلك اليوم الذي وضعت فيه نظارات شمسية للمرة الأولى في حياتي، تسلقتني نظراتك من أخمص قدمي حتى ناصيتي وقلت بلكنتك الشامية : " بيلبق ... صار للشوحة مرجوحة ... ولأبوبريص قبقاب " !!
ضحكت يومها حتى ألمتني خاصرتي، وكم أفتقد اليوم سخريتك وخفة روحك وأمثالك الشعبية الشامية، فأنا لا أذكر أننا تبادلنا يوما الأحاديث الجادة، فكل الكلام الذي كان بيننا "كوميديا" خالصة، في جلسة الشاي الصباحية، في جلسات الطرب أثناء استماعنا لمطربنا المشترك "كاظم"، في الطائرات، في الباصات، في الأعراس، حتى في مجالس العزاء !!
حتى في بكائك، وذهولك، واصفرار وجهك، كانت مفرادتك المضحكة تطفو فوق دمعاتك، عفويتك ردود أفعالك، كلها كانت سعادتي ... أدخلوني إلى غرفة العمليات، كانت جراحة بسيطة جدا، وفي الخارج كنت تذرفين الدمع، فتحت عيني، وأول ما رأيته وجهك الذابل على حالي، لم أكن أعرف أن الجراحة تمت بسلام، فقد كنت لا أزال تحت تأثير المخدر، فتحت فمي لأسألك عن موعد العملية، فطفح الدمي من فمي، فما رأيتك إلا وأنتي تسقطين مغشيا عليكِ، ليتحول فريق الأطباء والممرضات من فوق سريري إلى فوق سريرك ! ويغرق المكان في الهستيريا، ضحكت وأنا في ذروة الألم، فمرافقة المريض التي يفترض أن تشد من أزره، صارت مركز اهتمام المستشفى بأكمله، وصار على المريض أن يشد من أزر مرافقته، وأن يتابع مع الأطباء آخر تطورات وضعها الصحي !!
وكلما تذكرنا تلك الحادثة في جلسات الشاي الصباحية، صرنا نضحك من قلب القلب، كنتي تقولين : " غط على قلبي " عندما رأيت الدماء تسيل من فمك " !!

لكني عاتب اليوم عليك، ولولا يقيني بأن صدرك أرحب من الفضاء الذي تسبح فيه الكواكب لما تجرأت أن أنبس ببنت شفه، فلقد كنتِ تعلمين بأني راهنت القدر عدم قدرته على تفريقنا، فلماذا مددت يدك لملك الموت عندما زارك للمرة الأولى، ألم تعلمي أن القدر هو الذي أرسله، ألم تعلمي أن للقدر يدا خشنة سوداء غادرة تكسب الرهان بكل الطرق الغير مشروعة !!
كنت أمل أن تقولي له لن أذهب معك، فبيني وبين من أحب وأعشق رابطة دم وذكريات ... فكيف هانت عليك الذكريات ... وتركتي جسدك جثة باردة مسجاة على السرير حتى أزداد أنا حرقة وقهرا، يومها ... قرأت في عينك المتجمدة أننا لسنا سوى شراع مهتريء عندما تهب رياح القضاء، كم نحن مخدوعون بني البشر !!

لماذا لم تزوريني ولو مرة كل ألف عام، فعمري من بعدك ستة ألاف عام، فكل عام فيه ألف عام، ففي غيابك صار الهواء ثقيلا كما الزيت، وما عاد للحياة بهجة، وقرص الشمس ساعة المغيب صار نحاسيا كئيبا وما عاد مثل ما كان أحمر ساحرا، وفي غيابك ... تيبست خدودي لأنها ما عادت تسقى من ريقك الأعذب من نهر بردى، وفي غيابك .. سقطت كثيرا، وكم أكره الوقوع اليوم، فأنا لا أسمع إلا صوت عظامي، ولا أسمع صوتك " اسم الله عليك "، وضاقت علي دنياي وضاق رزقي، فكفاكي ما عادتا ممدوتين إلى السماء بالدعاء، عودي ولو مرة، ومسدي قلبي براحة يدك عله يشفى، فقلبي من بعدك مضغة رماد !!

لست عاتبا يا أمي، ولكنه اليتم الذي يعلو عواء ذئبه في قلبي كلما احتفل الذين لهم أمهات بعيد الأم،
أحبك جدا، وأشهد أن كل البيوت التي سكنتها كانت زنازين إلا بطنك "قصر الرحمة" الذي سكنت فيه أشهرا تسعة، وأشهد أن لا غفوة أمنة كانت إلا على يديك، وأشهد أن لا قلبا خفق لطلتي إلا قلبك، ورأسي ما عرفت الدفء إلا على صدرك ... فكل عام وأنت حبيبتي يا أمي
كل عام وأنت حبيبتي

http://www.osbo3yatjaber.blogsopt.com/

الأربعاء الثالث عشر - حياة إنسان عربي كوفلية - خوف - كفن

$
0
0



في البدء ... مجرد رضيع كبقية أقرانه، ملفوف بـ(كوفلية) بيضاء، وعلى الغصن المقابل لنافذة الغرفة التي ولدت بها، ثمة يرقة ملفوفة بشرنقة بيضاء، تكبر اليرقة، ثم تخرج من الشرنقة فراشة تطير، أما أنا فأسقط من (الكوفلية) لأحبو على أربعة، حالي حال بقية الزملاء من الفقاريات !!


حدثتني أمي عن شقاوتي أيام الحبو، قالت لي : " كنت كثير الحركة سرعان ما تختفي عن أنظاري، وبعد بحث مطول عنك تنهار فيه أعصابي، أجدك أسفل سرير، أو داخل البوفيه ! وكانت لك هوايات غريبة كالعبث بـ"أباريز" الكهرباء، ولكن قلبي لم يطاوعني يوما لأصفعك على يدك حتى ترتدع، فأوكلت تلك المهمة العسكرية لأبيك ... تجهم وجه أبيك حتى صار معقود الحاجبين، ثم دنا منك وقال : ( كع ... كع) ومنذئذ وأنت تتحاشى حتى النظر إلى تلك "الأباريز" ! !


ولا غرو أن خوفي من الاقتراب أو النظر إلى تلك "الأباريز" كان خشية أن يخرج وجه أبي المتجهم منها، ولكن تلك الـ(كع) التي رافقت مشهد الردع استقرت في داخلي وصارت شرطيا يرافقني في حلي وترحالي. كبرت قليلا ... وغدوت أمشي على اثنتين، كان نشاطي زائدا، لا أعرف الاستقرار على مقعد، كنت أقفز هنا وهناك، على الأريكة، على طاولة السفرة، كنت مصدر إزعاج حقيقي، ولما بلغت الأمور حدا لا يطاق بالنسبة لوالدي الذي يحب الهدوء، هددني بـ(العو)، حتى تخيلت أن الـ(العو) سيقضم قدمي إذا ما امتطيت الأريكة، أو إذا ما قفزت فوق طاولة السفرة، وهكذا صرت أعد الألف قبل الإقدام على فعل أي شيء، وكبر هذا الشرطي الذي يقبع في داخلي، فقد صار مزيجا من (الكع) و (العو) !!


دخلت المدرسة ... ولم تكن الأمور على قدر كبير من السوء في المرحلة الابتدائية، فكل المعلمات كن لطيفات معي لولا معلمة اللغة العربية السمينة التي كانت علاوة على ضربنا بيدها الغليظة والتي يتساوى حجمها بحجم فخذ العجل، تقوم بتهديدنا بوضعنا في غرفة الفئران، حتى صار جل همنا العثور على تلك الغرفة، ولأننا لم نجدها، فقد راح خيالنا الطفولي يزيدها رعبا !!


يا لحظي العاثر حتى في صباي ... فحصة اللغة العربية كانت يومية، لذلك كان علي أن اصطبح بتلك المعلمة السمينة كل يوم، وفي بعض الأيام أصطبح وأمسي ! ... لهذا صار جرس نهاية الدوام المدرسي الترنيمة الأحب إلى قلبي !!


ولكن ... ما كل ما يتمناه المرء يدركه، ففي ذلك البيت الذي كنت أبغيه جنة هروبي من يد المعلمة السمينة، ستكون جدتي في انتظاري، وستجبرني في كل يوم على تناول الأكلات التي كانت تعدها، أكلات من مثل (مسخن – مقلوبة – فول أخضر) وذلك حتى أنمو وأكبر على حد زعمها، وكم كنت أكره تلك الأكلات، ولكني كنت أرضخ لرغبات جدتي تحت التهديد باستدعاء (الغول) لتأديبي، ولأني لست على سابق معرفة بالمدعو (غول) فقد أخذت ريشة الخيال ترسم ملامحه، وأخيرا تخيلته رجلا ضخما مخيف برأس (عو) !! انتهت المرحلة الابتدائية، مخلفة في داخلي شرطي جسده جسد (غول) وذراعه (كع) ورأسه رأس (عو) !!
ملل ... ملل ... ملل
ماذا أفعل في هذه العطلة الصيفية التي تفصلني عن المرحلة الإعدادية ؟ ولماذا لا أملك دراجة هوائية أزجي بها ساعات النهار الطويلة كبقية أقراني ؟ وهكذا قررت أن أحدث والدي بالأمر، ولكن والدتي ما أن سمعت بكلمة (دراجة) حتى وضعت يدها على قلبها واستعاذت من الشيطان ثلاثا، وراحت تسرد علينا قصص صبية قضوا تحت عجلات السيارات وهم في عمر الزهور، وللحقيقة ... فأن أمي معها كل الحق في هذا، فقد رأيت أنا أيضا كيف أن الشارع كان آخر مكان وطئته قدما ابن جيراننا قبل أن تقذفه سيارة مسرعة إلى الدارالآخرة، وذلك على الرغم من أنه كان ماشيا بتأن على قدميه، فماذا أقول أنا الذي كنت أحلم بدراجة أسابق بها الرياح، صار الشارع (بعبع) حقيقيا بالنسبة إلى، فأنا لا أعرف (الغول) ولا (الكع) ولا (العو) ورغم هذا فأني أحذرهم حذرا شديدا، فما بالكم بالشارع الذي رأيته وهو يقتلع طفلا صغيرا من الحياة ؟ّ!


ولكن ... للحلول الوسط دائما مكان، لذلك عاهدت أبي وأمي أن أمشي بالدراجة فوق الرصيف فقط، وأخيرا ...وبعد جهد جهيد أقتنع الوالدان وهاهي دراجة الـ(بي ام اكس )الزرقاء خارجا بانتظاري ليبدأ عهد جديد من المغامرات والمرح الطفولي، ولو أن خروجي من باب الحديقة على الدراجة كان يتطلب بعض "البروتوكولات"، ذلك أن العهد الذي قطعته أمام أمي بالتزام السير على الرصيف لم يمنعها من قراءة المعوذات وأية الكرسي وتحويطي بالله وملائكته عند كل مغادرة !!


ولكن ... لماذا تطاردني ابنة الجيران "تغريد" بنظرات متحسرة كلما مررت ممتطيا دراجتي الزرقاء من أمام بيتها ؟ لا بد أن "تغريد" فقيرة مثل بائعة الكبريت أو "كوزيت" اليتيمة التي ظهرت في رواية البؤساء، هذا ما أملاه علي خيالي الطفولي وقتها، ولأنني كنت معجبا بشجاعة " جان فال جان"، عرضت عليها أن تقود الدراجة (شوط) وأنا (شوط) آخر، لكنها امتنعت لعدم معرفتها فن قيادة الدراجات، فهي لم تفعل ذلك من قبل، ولكن هذا الولد الذي كنته في ذلك الزمان المقتدي بـ"جان فال جان" والمصر على إٍسعاد "تغريد" أسوة بمثله الأعلى "جان" لم يكن ليرفع الراية البيضاء بتلك السهولة، جعلت "تغريد" أمامي، أمرتها بالتمسك جيدا بالمقود، أحكمت السيطرة على الدراجة، وانطلقنا ... كان الهواء منعشا رطبا، وشعر "تغريد" الحريري يتطاير على وجهي، ورائحته الزكية تعبق في أنفي، كان شعورا رائعا، جعلني أعرف حينها، لماذا غنى "عبد الحليم" أغنيته الشهيرة "حاجة غريبة" عندما ركب الدراجة برفقة "شادية"
... دورة ... دورتين ... ثلاث، وعلى مايبدو أنني لن أنتهي من الدوران، فشعر "تغريد" برائحته الزكية يجعلني خارج الزمان والمكان، وأنا الأن مغمض العينين، وقدماي تتحركان بشكل آلي، ولكن صراخ "تغريد" يقطع الحلم، أحذر ... أحذر ... أحذر أفتح عيني لأرى أمامي مباشرة البقال (ابوراتب)، ظهره إلينا وهو يدخل صناديق "البيبسي" إلى داخل دكانه، وبسرعة يستدير "ابوراتب" بكرشه الكبير نحونا بسبب صراخ "تغريد" _ يا للشيطان ! من أين ظهر هذا الـ"ابو راتب" ليقطع حلمي !! ولكن "ابو راتب" يتسمر في مكانه من هول المفاجأة، الفرامل ... ولكنها لا تعمل ... اللعنة، ثم يتسارع الزمن فجأة، يقترب (الكرش)، يكبر ... يكبر ... حتى تصبح الدنيا كلها (كرش) ... كرااااااك ...، كل ما أذكره من تلك اللحظة الرهيبة، أن الناس كانوا يحاولون سحب رأسي أنا و "تغريد" من (صرة) العم "ابو راتب" !!


هكذا يكون مصير ولد طيب غلب الجانب الخيالي على الجانب الواقعي من عقله ( أن يعلق في صرة ابو راتب) !! هذا ما جناه "فيكتور هوغو" علي، فكيف ظننت يومها أن "تغريد" فقيرة ولا تملك ثمن الدراجة وهي التي كانت تسكن في الـ"فيلا" المقابلة لبيتنا، ولكنه خيالي الأحمق، وتعلقي بـ"جان"، ولم أكتشف إلا متأخرا أن السبب في عدم شراء أهل "تغريد" دراجة هوائية لها هو خوفهم على غشاء طهارتها، ذلك الغشاء الذي تعد سلامته في الشرق أهم من سلامة القلب !!


أنها المرحلة الاعدادية ... وها أنذا أدخل من باب المدرسة الخارجي، لأشاهد الأعداد المهولة من الطلاب، اصطف في الطابور الصباحي مع المصطفين، أدخل إلى مبنى المدرسة المصنوع من مادة "الإسبست" المسقوف بـ(الزينكو) والذي يشبه معتقلات الإتحاد السوفيتي السابق، أدخل غرفة الصف، المقاعد مهترئة وتفوح منها رائحة العراقة والتاريخ، مما يضطرني لتصحيح اعتقادي بأن عهد المدرسة عائد إلى روسيا القيصرية وليس إلى جمهورية الإتحاد، أجلس على مقعد أيل للسقوط، يتقاسم المقعد معي ولد شاحب الوجه، أصفر البشرة، وعلى ما يبدو أنه مصاب بكل الأمراض السارية والمزمنة، الأمر الذي يذكرني بمعاناة شعوب الدول الشمولية، ولكن خيالي الطفولي يحاول إقناعي أن هذة المدرسة القائمة من عهد روسيا القيصرية حتى اليوم، جلس على مقاعدها كل الأدباء الذين تعلقت بهم في طفولتي، كل نجوم الأدب الروسي مروا من هنا، القديم منهم والمعاصر، ... ثم أدخل في نوبة من الضحك سرعان ما تتحول إلى هستيريا عندما أتخيلهم في مثل عمري يرتدون الزي المدرسي الأزرق، ولم تنبت لحاهم التي صارت طويلة وعظيمة فيما بعد
قه .. قه .. قه .. قه
ولكن أفعة بيضاء تسقط على ظهري أثناء قهقهتي تسلخ جلدي عن عظمي، ولم تكن تلك الأفعى إلا عصا أستاذ التاريخ الذي لفها بـ"تب" أبيض حتى تزداد فاعليتها، وياألهي الرحيم ... ما أفطع هذا الأستاذ، ضخم ومظهره قميء، أنه الـ(الغول)، نعم أستاذ التاريخ (غول) حقيقي، أخيرا رأيت الغول على أرض الواقع، لهذا ألتزم الصمت طوال المرحلة الإعدادية خشية مواجهة غير متكافئة مع ذلك الأستاذ المرعب كي لا يقوم بترقيص أفعته البيضاء فوق جسدي ... حتى الأنفاس، كنت أحسب لها ألف حساب


كبرت ... وكبر خوفي معي، بل كبر هذا الشرطي الذي في داخلي، ولكني عبرت المرحلتين الإعدادية والثانوية بسلام وهدوء مفرطين، لألتحق بعدها بالجامعة، وفي بلادنا التي تعج بالأحداث السياسية، لا بد لك من اتجاه تتبنى معتقداته، فمرة تجدني مع الأخوان، ومرة تجدني مع اليسارين، ومرة مع الليبراليين، ولكن قلبي استقر عند اليساريين، قلبي وليس عقلي، ذلك أن اليساريات كن جميلات و(فايعات)، وقد كنت أذهب بمعيتهن إلى المقاهي لنقاش آخر تطورات الثورات القائمة في كل نواحي العالم، ولكن زمن النراجيل والنقاشات لم يلبث حتى ولى مبكرا، وذلك تحت تهديدات والدي بمنعي من كافة حقوقي المالية إن لم أمتنع عن هذه الرفقة، فقد قال لي أن مصير أي إنسان عربي مهتم بالسياسة أن يرسل إلى (بيت خالتو)، ولم أفهم قصد أبي يومئذ فخالتي إمرأة طيبة تروقني، ولكني بعد ذلك فهمت هذا المجاز عندما رأيت أحد الرفاق وقد تورمت عيناه بسبب (التبكيس) الذي قوبل به في بيت خالته، لذلك ... خطبت في أصدقائي اليسارين خطبة رنانة أبرر فيها انسحابي، وقفت على الكرسي وقلت لهم " أترككم اليوم بجسدي وقد تركت روحي عندكم"، وأقنعتهم بأني في حاجة لوقفة مع الذات حتى أزيد قناعاتي اليسارية يسارا، وهكذا هربت إلى البيت. حتى أنني قطعت العلاقة بخالتي الطيبة، من باب ( الباب اللي بيجيك منو الريح سدو واستريح) !!


ها قد بلغت من العمر ثلاثين ... ثلاثون عاما من الرعب، حفرها في وجداني وروحي ونفسي وعقلي شخصيات غريبة (الغول) – (العو) – معلمة اللغة العربية السمينة – أستاذ التاريخ – ( خالتو)، وهذا الشرطي الساكن في صار متحكما بكل سكناتي وحركاتي، عندي رهاب من كل شيء ... من كل شيء، حتى في العمل، أتحاشى النظر إلى أي أحد، فالوضع لا يحتمل أن أتعرف شيئا جديدا، فقد سمعت مرة أن هناك (بعبع) آخر في مصر يدعى ( ابو رجل مسلوخة) !! وفي الشارع أمشي (الحيط بالحيط) وأدعوا الله الستر. زوجوني ... زوجوني بإمرأة أشد مني رعبا، فقد تربت مثلي في هذه البلاد، فكان الله في عون أولادنا القادمين، ولكن ولله الحمد فأن الله لم يرزقنا بالأولاد، وذلك في حكمة منه حتى تنتهي تلك السلالة المرعوبة !!


ولما استبد الخوف بي، وصار ظاهرا جليا للجميع، نصحني أحد الأصدقاء بزيارة طبيب نفسي قبل استفحال الحالة، ولكن رفضت بشدة، فزيارة الطبيب النفسي في بلادي تعني أنك مصاب بالجنون، كما أن الطبيب النفسي كان ولا زال موضع التندر في الأفلام والمسلسلات العربية، فقد صورواه لنا برجل عصابي شعره (منكوش وطويل)، وصوته غير منتظم، لا يلبث أن ينخفض حتى يعلوا فجأة !! أنا أضعف من أن أجلس وحدي مع هذا الشخص المريب المرعب في غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ !!


لا يؤلم الجرح إلا من به ألم، والأنسان طبيب نفسه، عرفت دائي أخيرا، وعلاجي يكمن في تغير كل معتقداتي، لهذا يجب علي أن أبدأ حياة جديدة من الصفر، يجب أن لا أشاهد أي شيء يتعلق بالماضي المؤلم، يجب أن أهرب من كل ما يحيط بي من مشاهدات وعقليات وخرافات، أنا بحاجة لثورة تغير كتى أتعالج من داء الرعب المزمن. لذلك ... هاجرت وزوجتي إلى السويد في البداية ... تحسنت قليلا، لأن وجوه الناس هناك ليست متجهمة ومرعبة، كما أنه من غير الممكن أن تتشاجر مع أحد بسبب تبادل النظرات مثل ما كان يحدث هنا، حتى أن الناس لا يتبادلون النظرات في الشوارع، ولم أشاهد إمرأة تمشي برفقة ابنتها وقد راحوا ينظرون ويتحدثون بسخرية وتهكم عن فتاة مرت من جانبهما ترتدي بنطالا غريبا، ولكن أمرا ما قد حدث معي كان له الفضل في التعافي التام ... فمرة بينما كنت ماشيا في أحد الأسواق، رأيت تجمعا بشريا هائلا، ولكنني لم أقترب لأنني لا زلت أخاف من التجمعات، فقد كانت ممنوعة في بلدي لأكثر من شخص، ولكن الفضول غلب الرعب هذه المرة، كانت الجماهير الغاضبة تقذف رجلا بالبيض والطماطم، حتى أن أحدى الغاضبات قامت بخلع (زنوبتها) من قدمها ثم قذفتها باتجاه وجهه، وذهب الخيال الواسع بي إلى البعيد، فقد ظننت أن المسألة شخصية، حتى أنني فكرت في الاقتراب من الفتاة لأقول لها أن الأمر لا يستأهل أن تقذفيه بـ(الزنوبة) فلا زلتي صغيرة وألف رجل أفضل من هذا العجوز المهتريء (المكحكح) يتمناك، لكن القصة لم تكن كذلك، فهذا الرجل لم يكن إلا رئيس وزرائهم، وقد غضبوا منه لإقراره قانون ضريبي جديد، في بلداننا كانت الحكومات هي من تكيل علينا (الشباشب) بكافة أنواعها ( زنوبة _ بلاستيك _ مطاط)، أما هنا فالناس هم الذين يكيلون (الشباشب) على الحكومات، أي أن الأمور هنا معكوسة، ومن هذا القياس انطلقت، فالإنسان العادي البسيط هو المرعب هنا، أي أن (الغول) و(العو) وكل تلك الأساطير هي التي تخاف الإنسان، كما أن خالتي لا تمتلك أي بيت هنا، وحتى الشارع لا يقتلع الناس من حياتهم، فالناس هنا تقود وأعصابهم مرتخية، حتى أن رتلا كاملا من السيارات على استعداد للتوقف في حال عبور كلب للشارع، أنا مهما هنا، صرت قيما مرهوب الجانب،


أخيرا... عرفت ما معنى أن تكون أنسانا ... وأخيرا تعافيت ... فأين (الغول) و ( العو)، أين هم ... أنا لا أهاب أحدا. ولأنني تعافيت فقد عدت مأخوذا بالشأن العربي، وعدت لمتابعة برامجي المفضلة التي تتحدث عن الهم العربي، بل أنني من فرط الشجاعة قررت أن لا أنأى بنفسي عن عملية الإصلاح، فقد مللت لعب دور المتفرج، وهكذا أتصلت في برنامج منبر الجزيرة، وقلت فيه خطبة مدوية، ونمت مرتاح البال. في اليوم الذي تلا المكالمة، وبينما كنا نجلس أنا وزوحتي إلى مائدة الإفطار، رحت أحدثها عن خطبتي المدوية في برنامج منبر الجزيرة، وذلك حتى تتعافى هي الأخرى من رعبها، فلا زالت حالتها (الرعبية) سيئة، وأحمد الله أن اللغة السويدية كانت صعبة عليها، وإلا لكانت نقلت معتقداتها الخرافية المرعبة إلى السويديات، معتقدات من مثل ( قلب الشحاطة – عدم قص الأظافر ليلا) وغيرها من الخرافات التي تربت عليها، ولكنها ما أن سمعت بمغامرتي حتى بدأت باللطم على وجهها، لطم ترافق مع صراخ وعويل " انخرب بيتنا ... والله لا يشحططوك ... يا ويلي يا ويلي يا ويلي وياسواد ليلي)، وهنا أضطررت للاعتراف لها بالحقيقة حتى أهدىء من روعها، فقد قلت لها بأني استعملت اسما مستعارا ... (ابو وردة – السويد) ولكن الأمر ازداد سوء عندما قالت : "ماذا ... استعملت اسم أبو لاسم مؤنث كالأسماء التي يسمى بها الثوار أنفسهم ... آآآآآآه ... آآآآآآآه"، وهنا اضطررت الاعتراف بالحقيقة النهائية فقد قلت لها أني استخدمت اسم "ابو علي" كما أني قلت لهم بأني من كندا فصار الاسم (ابوعلي- كندا). نعم أعزائي قراء هذه القصة لا تلوموني لأني كذبت عليكم عندما قلت لكم أني تعافيت تماما من الخوف والرعب ... لا تنظروا إلي هكذا ... فأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فهل تريدون من أنسان مسكون بالرعب أن يتعافى في يوم وليلة !!


نعم لم أبلغهم عن اسمي الحقيقي ولا عن مكان اقامتي الحقيقي قلت لهم بأني (ابوعلي – كندا) وفي كل ليلة ... كنت استيقظ على صراخ زوجتي التي كانت تقفز من نومها كالمصروعة بسبب الكوابيس التي كانت تباغتها، كوابيس تبعات الخطبة المدوية، ورحت أنا أهدىء من روعها في كل ليلة، وما أصعبها أن تكون رجلا مسكونا بالرعب وتتظاهر بالشجاعة أمام زوجتك الأشد منك رعبا حتى تواسيها، صعب ... صعب ... أن تلعب دور الشجاع وأنت ترضع الخوف طوال حياتك. لم يحدث شيء، ولم أذهب وراء الشمس كما كانت تظن زوجتي، ولكن زوجتي ماتت بسبب القلق والرعب !!


كنت أبكي أمام نعشها ... كنت حزينا على حياتها كبلوها في البداية بـ(الكوفلية)، ثم كبلوها بالخوف، وها هي الأن تكبل في كفن أبيض. مرت أعواما على وفاة زوجتي، والحي أبقى من الميت، لهذا قررت أن استأنف رحلة علاجي من مرض الخوف، الحمد لله فأنا أشعر الأن بأنني تعافيت تماما. ولكني ليلة أمس ... حلمت بالمرحومة زوجتي، وقد علموني أن الأموات عندما يأتوا لأحدهم في المنام، فذلك يعني أنهم يريدون أخذه معهم ... ولكني سرعان ما تذكرت جارنا "ابو صبري" الذي حلم منذ صباه بكافة أموات المسلمين، ولكنه عاش مئة واربعين سنة !!


ولكني خائف ... خائف
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/

الأربعاء الرابع عشر - نهاية رجل وسيم

$
0
0

تبدأ الأحداث عندما تصل تلك الشاحنة الصغيرة المحملة بالأثاث الأنيق، ليتم نقله إلى الطابق الثاني حيث الشقة التي كانت حتى الأمس فارغة، في الجانب المقابل ومن خلف النافذة الواسعة المجللة بالستائر، تبرز عين السيدة سلمى، لتتفحص المشهد بفضول بالغ، وتجول عيناها على الشاحنة وقطع الأثاث التي فيها وعدد تلك القطع وألوانها، وأشكال العمال الذين يحملونها، والرجل الواقف بجانب الشاحنة، والذي يبدو أنه الساكن الجديد، تفحصته السيدة سلمى جيدا، فعرفت طوله وعرضه ونوع النظارات الشمسية التي يرتديها وعدد شعيرات رأسه، تأملته جيدا وحدثت نفسها قائلة: يا لوسامته !! ثم ركزت بصرها على المرأة الواقفة بجانب ذلك الرجل والتي يبدو أنها زوجته، تفحصتها من رأسها حتى أخمص قدميها حتى عرفت نمرة حذائها ومن أين اشترته، تسلقت نظراتها المرأة رويدا رويدا _ أي عملية مسح ضوئي كامل _ حتى وصلت وجهها، فحملقت بكل ما أوتيت من قوة، حدثت نفسها قائلة: يا للهول: هل هذه الضفدعة هي زوجة ذلك الرجل الوسيم ؟؟ لا أصدق، سبحان الله، أنه النصيب !!

استدارت السيدة سلمى إلى الداخل ووقفت أمام المرآة تتأمل نفسها، تأملت وجهها الأبيض المستدير، وشعرها الأملس، تراجعت بضع خطوات إلى الوراء واستدارت دورة كاملة متأملة اعتدال قوامها وبطنها المستوية ورقبتها الطويلة البيضاء، خرجت منها "آها" متحسرة على نصيبها وخاطبت نفسها قائلة: آ آه، أما كان أولى بهذا الجمال أن يكون حريا برجل وسيم قسيم كذلك الساكن الجديد ؟؟ بدلا من "سيد قشطة" المتمدد على الكنبة بـ (الشباح) في الصالة، والذي لا يعرف كيف يفك الخط، ولا يقدر الجمال، وكل ما يفقه فيه هو أعمال البقالة، والإستلقاء عصر كل يوم على الكنبة لشرب معسل "رغلول" !! والمنادة على أهل المنزل ( وين الفحم) !!


بزغ فجر يوم جديد، ثم أشرقت الشمس، قامت السيدة سلمى من السرير مباشرة إلى النافذة للاستطلاع وممارسة هوايتها في التلصص على الناس والجيران، فوقفت عيناها على الساكنين الجديدين وبصحبتهما طفل صغير جميل، كانت خطواتهما بطيئة كعاشقين، كانت المرأة متشبثة بذراع زوجها ملتصقة به التصاقة أم خائفة على ولدها من الضياع، وكانت تلك النظارات الشمسية التي يرتديها الرجل تزيده وسامة فوق وسامته !! وفجأة وبدون سابق إنذار رأت زوجها "السيد قشطة" يمر من جانب الزوجين ذاهبا إلى عمله، تأملت المشهد جيدا، كان المشهد رومانسيا رائعا وناعما إلا أن ظهور "السيد قشطة" قد أطاح بكل الجمال والرومانسية!! كان يتدحرج بكرشه في الشارع كالكرة، وقد انعكست أشعة الشمس على صلعته لتصيب بوهجها عيني زوجته التي لم تعد ترى جيدا، ثم أطلقت آهة "حارقة"
يا إلهي هل هذا رجل وذاك رجل؟
وهل يكون نصيب "سيد قشطة" إمرأة مثلي ونصيب ذلك الوسيم إمرأة مثل تلك؟
آ آه ... والله لك كل الحق أن تتشبثي به ذلك التشبث !!
سمعت صوت الباب يفتح، فغادرت إلى الداخل لتجد جارتها السيدة مجد في الصالة مرتدية ملابس الصلاة حاملة طبق "البيتي فور" لتبدأ على الفور جلسة النميمة الصباحية المعتادة.


تحدثتا كالمعتاد، وكان فاكهة الحديث هو الجيران الجدد، تحدثتا مليا عن وسامة الجار الجديد، وقبح زوجته الشديد، وتباحثتا في قضية زواجهما، واضعتين الفرضيات والنظريات العلمية للزواج، الأولى افترضت أن الشاب طامع في ثروة تمتلكها تلك القبيحة، والثانية افترضت أن الفتاة لا بد أن تكون قد عملت سحرا للشاب المسكين، ثم عادت الأولى وافترضت أن الفتاة هي قريبة الشاب وأن والدته أجبرته على الزواج بها ..، وما بين الشاي والقهوة أكلت لحوم الناس، ثم قامت السيدة مجد واقفة وقرأت دعاء كفارة المجلس وسلمت ثم أدارت ظهرها وعادت إلى منزلها وهي تسبح وتستغفر !!


توالت الجلسات وفي كل مرة يتم مناقشة الموضوع نفسه، وهو "كيف يمكن لرجل وسيم أن يتزوج إمرأة قبيحة كالجارة الجديدة" !!


وبعد طول مناقشات وحوارات، استنتجت السيدتان أن من المستبعد أن يكون الشاب طامعا بثروة "القبيحة" لأن علامات الثراء لا تبدو عليها، فهما يسكنان بالأجرة، ولا يمتلكان حتى سيارة، كما استبعدتا فرضية السحر، فقد شاهدتها المرأتان غير مرة في دروس الدين التي تحضرانها، وقد بدت عليها سمات الطيبة الخلق القويم.


في كل جلسة تضرب السيدتان "أخماسا في ألأسداس" وتناقشان "قضية زواج الوسيم بالقبيحة" !!
مر شهر وفي كل صباح يتم التلصص من خلف الستائر، لترى السيدة سلمى الزوجين غاديين رائحين إلى منزلهما، وكلما شاهدت ذلك "الجينز الأزرق الذي يزيده جمالا ذلك القوام المسبوك الممشوق، تذكرت على الفور أيام خطبتها إلى "سيد قشطة" عندما طلبت إليه لبس بنطال من "الجينز"، ولما لم يجد واحدا على قياسه، قام بتفصيل واحد في تركيا إرضاءة لها، ليبدو فيه كـ(محقان الكاز) وذلك لشدة اتساع محيط الخصر، وشدة ضيق البنطال من عند الأقدام !!


وذات صباح وفيما كانت السيدة مجد تتلصص من خلف الستائر، كعادتها، تابعتهما بنظرها، وشاهدت فتاتين جميلتين تمران بالقرب من الزوجين، راقبتهما جيدا، لتلاحظ أن الوسيم بقي ماشيا بهدوء وأدب برفقة زوجته، لم يلتفت يمنة ولا يسرة، أزداد إعجابها به بعد أن لمست جمال أخلاقه وأدبه الجم، لتتحسر على نفسها، وتتذكر زوجها الذي لا تخرج معه إلى مكان إلا ويزوغ بصره هنا وهناك، ما يسبب لها الإحراج الشديد، والمشاجرات بعد العودة إلى المنزل !!


توالت الأيام ما بين تلصص وجلسات نميمة، إلى أن حدث أمر رهيب ...


فذات غروب هرعت السيدتان مجد وسلمى إلى نافذتي منزليهما بعد سماعهما أصوات صافرات الإسعاف وأصوات جلبة وصراخ، لتقع أبصارهما على مشهد مروع، عدد هائل من الناس مجتمعين على مدخل العمارة المقابلة، ورجال الإسعاف يحملون جثة إمرأة وطفل صغير، دققتا النظر جيدا لتكتشفا الفاجعة، إذ لم تكن المرأة إلا الجارة زوجة الرجل الوسيم، ولم يكن الطفل إلا ابنهما !! أرسلت السيدة سلمى ابنها ليستطلع الأمر ويأتيها بالخبر، فذهب وما لبث أن عاد ليخبرها، أن حادث اختناق في الحمام قد وقع للسيدة والطفل الصغير، وأنهما قد فارقا الحياة !!


ذهلت السيدة سلمى من المفاجأة ولم تعرف ماذا تقول، ثم سألت ابنها عن الرجل، فقال أنه سمع الناس يقولون أنه بخير ولم يصبه أي أذى. أخذت السيدة سلمى تضرب وجهها بغير وعي وتصرخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنها عين مجد، صدقت يا رسول الله " العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر" لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من عينك يا مجد ... أعوذ بالله!!


وفي الشقة المجاورة كان مشهد مماثل يتكرر، كانت السيدة مجد تضرب وجهها بغير وعي وتصرخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنها عين سلمى، صدقت يا رسول الله " العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر" لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من عينك يا سلمى ... أعوذ بالله !!


مر أسبوعان على الحادثة والسيدتان تترقبان خروج الرجل المسكين بلا فائدة، يبدو أنه في حالة حزن شديدة ومنغلق على نفسه إلى أن جاء صباح وخرج الرجل ...


السيدتان تراقبان، يا ألطاف السماء ... يا إلهي


شهقت المرأتان شهقة واحدة وعقدت ألسنتهما المفاجأة، كان الوسيم يمشي بنظارته السوداء، ويتحسس طريقه بالعصا التي كان قد استغنى عنها بعد زواجه، فقد رحلت من كانت عينه التي يرى بها الطريق ...
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/




الأربعاء الخامس عشر - الرصاصة الطائشة

$
0
0


توجه جبر إلى محل كي الملابس الموجود في الحارة(ابونضال ستيم) ليتأجر بذلة، فاليوم حفل زفاف (ابن خال اخو اخت جوز امه اللزم).

ماكاد جبر يلقي التحية حتى ترك ابو نضال مكانه من خلف (جحش الكوي) وهم بتقبيل جبر بحرارة المشتاق الذي انتظر الحبيب دهرا، مع أنه التقاه في صلاة الفجر وقبله، والتقاه في صلاة الظهر وقبله ( غريبة ظاهرة التقبيل المتفشية في المجتمعات العربية).
جبر: ( بدنا تأجرنا بدلة مرتبة هيك على زوءك).
ابو نضال: ( شو رأيك بالبدلة النيلي اللي جرافتها حمرا هديك)؟
جبر: (يارجل هاي اللي أجرها المرحوم ابوك للمرحوم ابوي يوم ما تجوز المرحوم ابوي المرحومة امي).
ابو نضال: ( طيب شو رأيك بالبدلة الزيتية اللميعة هديك)؟
جبر: ( يا ابن الحلال هاي اللي حضرنا فيها عرس فريد الاطرش في المدرج الروماني).
ابو نضال: ( يبقى ما الك الا الكموني هديك).
جبر: ( مش هاي يا زلمة اللي حضرنا فيها افتتاح مجمع بنك الاسكان).
ابو نضال: ( تاخد سفاري)؟
جبر: ( يوووه ... هو في حدة لسه بلبس سفاري).
ثم وقعت عينا (ابونضال) على بذلة أحد الزبائن، فوسوس له الشيطان أن يؤجرها لجبر، فوافق الأخير على الفور، ثم دفع بالورقة الحمراء في يد (ابونضال) وانطلق مسرعا نحو البيت، ثم صرخ (ابونضال) موصيا: ( دير بالك على البدلة هاي ماركة بسام لوران).

مع أن موعد الا ستحمام الشهري لم يحن بعد، إلا أن الحدث استدعى جبر إلى عقد (حمام طاريء).
خرج جبر من الحمام، ثم ارتدى البذلة، سرح شعره بعناية، ثم مسحه بكمية وافرة من زيت الزيتون (الجل الخاص بجبر) الذي يضفي على شعر جبر تلك اللمعة المحببة إلى قلبه!! ، اعتمر كوفيته(فوق الزيت)، ثم أنهى تأنقه بلمسات من ماء (الكولونيا) المفضل عنده، والذي ابتاعه من المؤسسة المدنية ( فريسكال النوع الذي يستخدمه الحلاقون)، والذي طالما امتدحه جبر بقوله (مالو رخيص وكويس وابن ناس)!! تأمل نفسه في المرآة ، تفقد شاربه الشبيه بشارب (هتلر) معجبا بوسامته : شعر لامع يظهر من تحت (الشماغ)، ملامح (مسمسة) رغم أنفه الشبيه بحبة الطماطم!! أخذ نفسا عميقا ثم تنهد مخاطبا نفسه : ( آآآآآآه، والله شيخ الشباب يا جبر، بس حظك قليل)!! لطالما حلم جبر بأنه عريس في حفل زفاف اسطوري، يجلس إلى جانب عروسه الفاتنة الشبيهة ب(سميرة توفيق)!!


في الثالثة بالضبط كان جبر في مجمع المحطة، واقفا في الطابور، في انتظار الحافلة التي ستقله إلى حيث حفل الزفاف في بلدة بعيدة عن العاصمة، أخيرا جاء الباص، وصعد جبر، واستقر في مكانه المفضل بجانب النافذة، وانطلق الباص (يخضخض بها الناس)، اقترب (الكونترول) من جبر طالبا الأجرة فأخرج جبر خمسة عشر قرشا من جيبه فرماه( الكونترول) بنظرة كنظرة النسر وقال: (الأجر عشرين يابا)
جبر: ( بس انا نازل قبل اخر الموقف)
الكونترول ( مش مشكلتي، بدك تدفع الأجرة كاملة )
جبر: ( لاء ما بدفع، الله ما قالها أنزل بنص الطريق وأدفع كل الأجرة)!
فما كان من (الكونترول) إلا أن قام بحركة (كونغ فو) خاطفة وأخرج موسى وأخذ يلوح به بسرعة أمام وجه جبر الذي انخلع قلبه وأصبح وجهه أبيض كالشبح، وصار الباص في لحظات (طعة وقايمة) ولولا تدخل (وجوه الخير) لأصبح وجه جبر عبارة عن مجموعة شوارع!! كل هذه المجزرة بسبب (شلن) أو على رأي جبر (شلم)!!


المهم أن جبرا وصل سالما معافى الى البلدة في وقت مناسب، وتوجه الى منزل والد العريس، ودخل الى (الشادر) وجلس يتبادل الاحاديث مع الموجودين في انتظار حفل الزفاف الذي سيبدأ بعد حوالي أربع ساعات!!


كان جبر سعيدا لرؤية ( مرعي) المقرب إلى قلبه، ومرعي هو أحد أقارب العريس، كان مرعي بين الفينة والأخرى يقطع الحديث ليضبط صوبة (الفوجيكا) مرة، وليضيف اليها (الكاز) مرة وهكذا، إلا أن هذا لم يمنع جبرا من الاستمتاع بحديثة مع (مرعي) الذي انتهى بعد لحظات قليلة بسبب حضور (المناسف) المكللة باللحوم والبقدونس!!


في ثوان قليلة كانت (المناسف) قد أحيطت بالرجال من كل حدب وصوب، أما جبر فقد اتخذ مكانه بجانب (مرعي) صديقه الحميم، شمر جبر عن ساعديه، وانكب فوق (المنسف) كالأسد الهصور، (واشتغل التكميس) .


استمتع جبر بالطعام لكنه أحس بطعم كطعم (الكاز) في (المنسف) لا يدري من أين أتى، لكن جبرا متأكد من أنه غسل يديه جيدا قبل الأكل، وقال في نفسه "ماعلينا" وظل جبر يأكل مرددا : (اللهم أدمها من نعمة واحفظها من الزوال)!!


كان جبر يتحدث مع (مرعي) اثناء الأكل، ولكن (مرعي) لم يكن يجيب، فنظر إليه جبر ليرى ما الأمر، فأذا بمرعي يأكل بتلذذ عجيب!!


انطلق موكب العرس متوجها إلى منزل العروس، وكان جبر سعيدا لفرح أقاربه، راكبا في السيارة يغني ويصفق وقد خلع عقاله وأخذ يلوح فيه مرددا بحماس أغنية ( اردن الكوفية الحمرا ، اردن الجبهات السمرا، هيه ،هيه، هيه) فجبر مواطن بسيط يعشق الوطن وأفراح الوطن!!


وصل الموكب بسلام، ونزل الجميع رجال ونساء وأطفال يركضون هنا وهناك، وقد سدوا الشارع من كثرتهم، خرج العريس والعروس من منزل والد العروس على أنغام الفرقة الموسيقية التي كانت تصدح موسيقاها في الشارع، كانت العروس في أوج انوثتها لولا ذلك الشارب الخفيف الذي يزين وجهها فوق الشفة العليا، أما العريس فقد كان رجولة حقيقية لو أنه ملأ بذلته قليلا، فقد كانت البذلة (مبحبحة) وعلى ما يبدو أنها بذلة أخيه الأكبر الذي عرف عنه بأنه (جهامي) ، مما جعل جبر والناس يظنون أنه ارتداها مع (العلاقة)!!


صنع الشباب حلقة دبكة وأخذوا يدبكون بفرح، فيما جبر في وسط الحلقة يقوم بالدبك والقفز مستعرضا مهاراته وكأنه في العشرين!! (اشتغلت الطخطخة) رصاصات تتطاير هنا وهناك والموسيقى تصدح والطبول تدق، كانوا يرقصون على أغنية (جيشنا جيش الوطن) وجبر يتطاير من الفرح ، يقفز ويدبك ويطلق (شلاليت ومقصات) في الهواء وهو ممسك بعقاله خشية أن يقع!!
وفجأة...
انطلقت رصاصة من فوهة أحد المسدسات وفي ثوان قليلة اخترقت الجموع لتصل إلى ... جبر!!
طارت كوفية جبر بعد أن أخترقتها الرصاصة التي لم تصب رأس جبر، ولكن جبر خارت قواه من فرط الرعب والهلع، وأحس بأن ساقيه لا تحملانه فسقط على الأرض وأحس بأن الأرض تدور من حوله، وزاغ بصره ولم يعد يسمع أو يرى شيئا سوى أضواء ساطعة وظلام دامس، وصوت طبلة، ونساء (تولول) وتصرخ، وأصوات رجال، وبكاء أطفال، ثم انقطعت كل الأصوات، ولم يعد جبر يرى شيئا، لقد أغمي عليه ...
استفاق جبر ليجد نفسه ممددا على نقالة (الدفاع المدني) وراح يتفرس في وجوه الحلقة البشرية المتجمهرة حوله والتي رفعت هواتفها النقالة لتصوير ضحية رصاصة العرس الطائشة في مشهد لطالما حلم جبر به، فقد كان يتمنى وهو صغير بأن يكون قبلة عدسات الكاميرات على غرار نجمه الشهير ملك البوب (مايكل جاكسون) مع الفارق البسيط بينهما لأن جبر كان ملك (الدبكة)، ثم تعالت الصيحات والهتافات والتصفيق والصفير ممزوجة بزغاريد النساء المزعجة وأصوات من هنا وهناك:( حمد الله على سلامتك يا حج).
قال جبر بصوت خافت: (حج؟ فجة تفجك فج، انته وياه، انا اصغر منك ومنو ولا).
تحسس جبر رأسه فلم يجد الكوفية، ثم قال (وين الشماغ)؟


ما هي الا ثوان معدودات، حتى أقبل طفل مسرعا وهو يحمل الكوفية والتي كانت تقطر زيتا من الثقب المتسع الذي خلفته الرصاصة الطائشة وناولها جبر قائلا:( خود عمو، فكرتها صحن فول من كتر ما عليها زيت)!!!


أخذ جبر يتفقد ملابسه كالمجنون صائحا: (البدلة، البدلة، والله لو صار فيها اشي ليدفعني ابو نضال حقها الشيء الفلاني، هاي ماركة بسام لوران)


فصاح أحد الشباب:( لا تخاف يا حج كلها على بعضها ما بتسوى عشرين ليرة، ما تخاف هاي بدلة صيني مش اف سان لوران!!


تحول العريس إلى سجن الجويدة، أما العروس فراحت تبكي وتندب حظها الأسود الذي لم يفلح بياض ثوب زفافها بالتخفيف من ظلمته، وقيدت الرصاصة ضد مجهول، وذلك المجهول هو الذي كان أول من صور جبر أثناء احتضاره على نقالة (الدفاع المدني)، وكان أول من أنزل المادة التصويرية على موقع (يوتيوب) تحت عنوان:




" ظاهرة اطلاق العيارات النارية...... الى متى"؟؟
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء السادس عشر - مفترق طرق

$
0
0


كلما أقبل ضاق صدرها، وإذا ما أدبر فكأنما بتلك الصخرة الجاثمة فوق قلبها، صارت حبة من سكر لا وزن لها، هكذا كان حالها في عهده، فوجوده في المنزل يعني الأمر والنهي، وخروجه منه يعني السكينة والسلام !

اليوم ... وبعد مرور سنوات على خلعه "خلع شرعي" كبدها الغالي والنفيس، صارت تصر على بقائه إلى جانبها، وإن كان هذا البقاء، بقاء رمزيا، فهو مجرد صورة شمسية في حقيبتها الشخصية !

وماالذي يجعلها تتوق حنينا وشوقا لـ "ديكتاتور" كانت أكبر أمنياتها الخلاص منه إلا تجربة ثانية أشد إيلاما عاشتها في نار "ديكتاتور" آخر !

حرقتها تفتر قليلا كلما رأت حال جيرانها الشبان الأربعة، هؤلاء الذين يبكون ليلا نهارا أمام صورة بالأبيض والأسود على طرفها الأيمن شارة سوداء لوالدهم البخيل، يبكون اليوم بعد أن ابتهجوا لوفاته قبل سنوات، فقد كان من دأب "المرحوم" أن يسمح لهم ساعة العشاء بأن يغمسوا الخبز بماء الجبنة البيضاء دون أن يأكلوا قطعة واحدة، وعندما فرحوا لوفاته وقررواأن يأكلوا قطع الجبن القابعة في (المرطبان) لأكثر من عشرين عاما، أغلقت أمهم (المرطبان) وسمحت لهم بأن يضربوا بلقمة الخبز على الزجاج الخارجي للـ (المرطبان) فقط (عالريحة) !!

شيئا فشيئا ... تعتاد عيش الضنك، وتسلم رأسها لمشيئة الأيام، فهذي الأيام علمتها أن هذا القدر الذي تعيش قدر جمعي موسوم على كل الجباه الشرقية، وهي ليست بحال أفضل من أختها الصغرى التي قبلت أن تكون زوجة ثانية خشية أن تواجه الباقي من الأيام بمفردها، ولكنها نادمة اليوم على أيام العنوسة بعد أن رأت ما رأت من الأفعى _الزوجة الأولى _ التي لها من الأولاد قردة خمسة، وهي تقول اليوم " عانس ألف مرة ولا ضرة مرة " !!

صورة الفتاة الليبية التي تحمل العلم الإيطالي في أحد ميادين مدينة بنغازي، والتي تناقلتها الفضائيات لم تلاق أي انتقاد، ذلك لأن إيطاليا عضو رئيس في حلف "النيتو" الذي يساند الثوار، بيد أن للمشهد تأويلا آخر في رأس بطلة قصتنا، فالعلم رفعته يد اللاوعي للفتاة التي تترحم على أيام الإستعمار الإيطالي، وهذا العلم ليس إلا صورة للـ"مرحوم" مثل صورة زوجها المخلوع التي تحتفظ بها في حقيبتها، وللفتاة الحق في رفع العلم، فحكم الطليان أهون وأرحم من حكم العقيد المصاب بالصرع والـ"بارانويا" !!

هذا هو قدر الليبين إما العيش تحت مطرقة العقيد، أو التمدد فوق سندان الغرب !

وتسترسل المرأة في التفكير، وتتسأل : لماذا علينا كشرقيين أن نفاضل بين أمرين أحلاهما مر؟ ثم تستذكر العبارة التهديدية التي قالها آخر رئيس مخلوع " إما أنا أو الفوضى" ! و تمضي إلى الوراء أكثر لتتذكر حزب البعث العراقي الذي كان يهز أفئدة العراقيين، هذا الحزب الذي ولى لتنوب عنه تفجيرات تزلزل الأرض والسماء في بغداد !!

ثم تضحك من أعماق قلبها عندما تستطلع المشهد العربي، فهم إما موالون لأنظمة فاسدة أو منخرطون في صفوف معارضة من العاهات، ولا تعجز عن تعليل السبب، فالأنظمة والمعارضة سقطت من رحم التخلف الإجتماعي ذاته !!

لا داعي اليوم لاستذكار الحديث النبوي الشريف "اذكروا محاسن موتاكم"، هكذا تقول في سرها فهي في كل يوم تذكرهم بالخير وتترحم على أيامهم الذهبية !!

تتنهد ثم تقول بحسرة : " هذا هو قدرنا أننا عندما نقف على مفترق طرق فأن كل الطرق تؤدي إلى الهاوية " ثم تعترض : " هل هو قدر بفتح القاف أم أنه قدر بكسر القاف نغلي فيه حتى نتبخر ونتلاشى " !!

تستغفر الله ثم تقول : " الحمد لله على كل شيء " ، تغرق في الصمت، " الحمد لله " تقولها مرة اخرى، ثم تكتب على قصاصة ورقية صغيرة :


" أولادي ... إذا ما وقفتم على المفترق ... شقوا طريقا جديدا حتى لو كانت أداة الشق الوحيدة المتاحة هي ... أظافركم " !!
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/



الأسبوع السابع عشر - شاهد على العصر

$
0
0


ما أشبه الليلة بالبارحة، حتى رتابة الأيام لا تستبدل ثوبها، عمل فقيلولة ولقاء صامت في المساء نتجاذب فيه أطراف التحية، ثم نسلم السمع لفوران الماء في أتون النرجيلة !!


الأيام رتيبة ومتشابهة، ولا تفاصيل تستحق السرد، إذا ما أردت أن أحدث الرفاق عن يومي، سيخال لهم بأني مصاب بـ"الزهايمر" أو أن أحدهم سيتندر علي قائلا : "الحلقة معادة" فبالضرورة أن الرواية مطابقة في الأحداث والشخوص والأمكنة للرواية التي سردتها قبل خمسة أعوام في هذا المقهى الذي أجلس فيه الأن !!

ولأن الطبيعة تكره الفراغ، سينضم إلينا ذلك الرجل العجوز لليلة السادسة على التوالي، ليملأ فراغ الصمت بحديث ذكريات لا يتوقف عند أي فاصل إعلاني إلا رشفة من الماء بين حين وآخر لدواعي جفاف الحلق الذي يسببه استمرار تدفق الكلمات دون توقف !!

رخامة الصوت ... الصلاة على النبي والتي تشبه المساحة البيضاء بين الفقرة والفقرة ... الرأس الأبيض ... حركات اليدين المتزنة، كل ذلك يجسد النقاء والأخلاق والفضيلة على هيئة بشرية، فيكون الحديث مصدقا، لتلقي السمع وتصبح مجرد أذن وتكتفي بهز رأسك موافقا على المتواتر تباعا من تلك الحنجرة العتيقة !!

ليلة الأمس ... كانت روايات الرجل العجوز أقرب ما تكون للأساطير، ولأن الزمار يموت ويداه تلعبان، خالجني الشك بصدق الحديث، فأنا سيء الظنون، ولكن نظرة إلى محدثي الرجل العجوز "البركة" جعلتني أستعيذ بالله من شيطاني وأتابع الإنصات !
نبرة العجوز تعلو وتحتد، وأنه يطرق المنضدة بقبضته معترضا على قلة البركة في هذه الأيام، وهو يحدثنا الأن عن الولائم العظيمة التي كان يقيمها في أيام الخير والبركة، تلك التي كان يفد إليها الأهالي من كل حدب وصوب، حتى أنه قال بأنه كان يستعمل "المايكريفون" لينادي الجالس في نهاية الطاولة !!

هنا تحديدا ... يتدخل صديقي الذي كان مغتربا، يتدخل مقاطعا للمرة الأولى منذ ست جلسات فيقول : " ايييه ... أيها الرجل العجوز، ذكرتني بأيام الخير في الغربة، كنا نقيم الولائم، فتأتي الجاليات العربية من كل فج بعيد، حتى أنني إذا ما أردت النداء على الجالس في نهاية الطاولة، استعمل الهاتف، والأنكى من ذلك أن المكالمة تسجل "دولية" !!

لا شيء يربطني بهذا المقهى بعد اليوم، وغدا سأنصب نرجيلتي في ركن مظلم بعيد، وحيدا سأجلس وأكتفي بسماع فوران الماء في أتون النرجيلة، فذلك خير من الجلوس لاستماع الأكاذيب، وظني السيء كان في محله، فسوء الظن من حسن الفطن، والأمر الذي شجع صديقي للتدخل هو عدم وجود أي شاهد على وليمته التي أقيمت في بلاد بعيدة، أما الرجل العجوز فلن يشهد على قصصه أحد، لأنهم بالضرورة ماتوا جميعا !!

إذن القاسم المشترك بين كذبات الرجلين هو غياب الشهود، والأمثولة التي حرت في تأويلها طويلا، تجسدت اليوم حقيقة تفصح عن نفسها أمامي، ففعلا " ما أكذب من شاب مغترب ... إلا عجوز ماتت أجياله " !!

لن أصدق بعد اليوم حديثا ولو أحدثت رخامة الصوت بي وقعا وتأثيرا، ولن أقيم وزنا لحركات اليدين مهما كانت موزونة، ولن يقر الكلام في قلبي وإن كان محدثي وقورا برأس كساه الثلج الأبيض عن آخره، وما تلك الصلاة على النبي التي خلتها مساحة بين فقرات نص القصة إلا وقوف اضطراري لاستذكار ما سبق سرده، حتى لا يضيع الترابط بين فقرات الكذبة! فيكون موقف الرواي مثل ذلك الشاب الذي كان يكذب على أصدقائه عن مغامراته في البرازيل، عندما قال لهم أنه سجل هدفا مزق شباك الخصم، فانقطع مضطرا عن سرد بقية الأحداث ليرد على الهاتف، سأل بعد أن أنهى المكالمة : " أين وصلنا "، فأجاب أحدهم : " عندما تمزقت الشباك، فرد الراوي : " نعم ... نعم، تمزقت الشباك، ورغم ذلك علقت بها الكثير من الأسماك وكان الصيد وفيرا والله الحمد " !!

اليوم أجد نفسي مكذبا لك ما قيل لي بأثر رجعي، ولو كانت جارتي العجوز "أم أحمد" حية ترزق، لطلبت منها الشهادة على ذكرياتها، بالذات تلك التي كانت تدعي فيها أنها كانت ملكة جمال تركيا في صباها !!

اليوم ... ومن أوسع الأبواب دخلنا إلى عصر التكنولوجيا، والشاهد الذي تعدل شهادته شهادة أربعة رجال ثقات يكون بالضرورة من مخرجات تلك التكلنولوجيا، فشهادة "يوتيوب" مرئية ومسموعة، وأمريكا التي تسوق لنا بأنها إمبراطورية الأخلاق لن تكتم شهادة "يوتيوب" عندما ينقل بالصوت والصورة مشاهد لفتيات يركلن بعضهن بعضا بوحشية من أجل سيجارة "ماريجوانا" في أحد أحياء "منهاتن" !!

والأنظمة الدموية القمعية لن يفيدها اليوم أي "سيناريست" مخضرم ليحبك الأكاذيب حول ما يدور في الشوارع والحارات، فالمطالب بحقه ذو سحنة "حورانية" أصلية وليس مندسا أو مرتزقة !!

فلا داعي لقطع الكهرباء بعد اليوم، فعصر الجرائم تحت جنح الظلام ولى إلى غير رجعة، فـ "يوتيوب" جعل اليوم بساعاته الأربع والعشرين نهارا، والضحية لن تنتظر خيوط الفجر حتى تتعرف على ملامح جلادها، وجدران المسلخ صارت شفافة مهما حاول الدمويوين أن يزيدوها سماكة وتسليحا !!

لن يطارد الشاهد بعد اليوم في أي ميناء أو مطار حتى يقتل وتدفن معه الحقيقة، "يوتيوب" حي يرزق موجود في كل زمان ومكان، لا يموت ولا يبتز ولا يشترى، محايد حد نشر الغسيل الوسخ لأي نظام، حتى لو أدعى هذا النظام أنه قلعة الصمود الأخيرة الباقية في وجه المد الصهيوني ...

"يوتيوب" متعاطف اليوم مع أي "يمني" أو "ليبي" أو "أموي" مل النظام الدموي !!
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأسبوع الثامن عشر - بالرفاه والبنين

$
0
0


مكتوب على ورق الخيار، أن من يسهر الليل ينام النهار، جفناي يأبيان التلاقي؛ بعد عناق طويل خلال النهار، الوقت : منتصف الظلام، الفجر بعيد، والليل لا زال في بواكيره، أحتاج إلى فائض من الفضول يؤهلني لتصفح الشبكة العنكبوتية ( سايت ... سايت، بروفايل ... بروفايل، تشات ... تشات، شبر ... شبر، زنقة ... زنقة ) !!

أتفقد القادم إلى بريدي الإلكتروني، أطالع الوارد من الأخبار في الصحف، أتسلق أعمدة الكتاب اليومية، على "يوتيوب" أتابع هطل الدم المنتظم الذي لا بد منه لاخضرار ربيع العرب، أذهب إلى "فيس بوك"؛ قد يكون أحدهم كتب على حائطي خربشات غير مسؤولة، فألتقي بالــ"فريندز" في "بيت خالتي" !!

الوجوه على الماسنجر رمادية عابسة، ولا وجوه صفراء تنبض بالابتسام "اون لاين"، حائط "فيس بوك" فادح البياض، الجميع نيام، الظلام لا يزال ثقيلا، أعاود الرجوع إلى بريدي الإلكتروني كي أتسلى إلى حين أن "يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"، أقرأ كل الرسائل الواردة إليه منذ تدشينه إلى الآن، حتى تلك التهديدية التي بعد "جزاك الله الخير" إن لم ترسلها إلى عشرة من أصحابك ... "تموت الليلة" !!

أضغط على خروج، أستطيع أن أمضي المتبقي من يقظتي متأملا سقف الغرفة من على سريري البارد حتى يغالبني النعاس، تتم عملية الخروج من البريد الإلكتروني بسلاسة، ليحل مكانه صفحة "مكتوب" الرئيسة، تستوفقني صورة الشاب والفتاة الباسمين التي أراها منذ أيام ثمانية، أنقر عليها بالفأرة، لأتفاجأ بعد ذلك بالمحتوى؛ فالصورة التي كنت أحسبها "دعاية معجون أسنان" لم تكن إلى صورة ولي عهد بريطانيا الأمير "ويليام" وخطيبته التي صارت اليوم زوجته بعد حفل زفاف باذخ!

أستطيع الآن ترميم صورة الزواج المغلوطة في مخيلتي؛ فقد كنت أعتقد أن الزواج بداية لنفق مظلم وفقا لصورة بالأبيض والأسود لجدي يوم زفافه؛ يقف فيها متجهما بوضع عسكري يؤدي تحية العلم، أفهم الآن إصراره على عدم الإبتسام؛ فقد كان فقيرا لا يملك ثمن تقويم لأسنانه التي كانت مبعثرة كأثاث مقهى اندلع فيه شجار عنيف !!

وما بين صورتين على طرفي نقيض، زفاف الأمير "المهيب" الذي فاقت كلفته المئة مليون دولار، وزفاف جدي "المعيب" الذي انخفضت كلفته عن المئة دينار، والذي أكون أنا آخر ثماره الفاسدة، تركض الذاكرة إلى وراء بعيد، لحفل زفاف جماعي كنت أحد مدعويه، أقامته "جمعية المستورين الخيرية" بدعم من كبريات الشركات التي تحرص على بناء جسور التواصل بينها وبين جيب المواطن، يومها حار أحد العرسان أين يلتقط صورة العمر التي تعلق لتكون جاهزة لاستقبال المهنئين و"العزال" في صالون بيت الزوجية؛ فكل الخلفيات كانت إعلانات عملاقة للشركات الراعية، إلى أن اقترحت عروسه الذكية، أن تكون خلفية الصورة الإعلان الأصغر على أن يرمم "الفوتوشوب" ما أفسده الدهر، فكانت خلفية الصورة "هذا الزفاف برعاية زين" !!

لا غرو أن الأمير حار هو الآخر في انتقاء خلفية تليق بالصورة التي ستعلق في غرفة الإستقبال داخل القصر، شرفة القصر مثلا، الحشود الهائلة، أم العربة التي يجرها حصانان أبيضان هاربان من الأساطير! فكل خلفية أجمل من أختها، ورحم الله جدي الذي كانت خلفية صورة زفافه "شادر" بني اللون !!

سينفصل الأمير عن زوجته فور تعرفهما أجساد بعضهم بعضا؛ فأطول زواج للمشاهير لم يطوه عقد من الزمان، بيد أن أصحاب الزفاف الجماعي سيزدادو لحمة؛ فالعدو مشترك وواحد اسمه الشقاء، ويصنع الضوء من الأمير الصغير الذي ستضعه "كيت" أميرا يأسر القلوب رغم سنوات عمره التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ فيقال : ذهب الأمير ... جاء الأمير ... تبرع الأمير ... رضع الأمير ... تثاءب الأمير !!

أما أطفال الزفاف الجماعي فلا ضوء لهم، رغم الأعمال الخيرية (غير المادية) التي يقومون بها ليلا نهارا؛ فهم يدفعون سيارة جارهم قديمة الطراز التي لا تعمل إلى بـ"دفشة"، أو يحملون أكياس الخضار عن جارتهم العجوز التي عرفت الشقاء قبلهم بكثير، أو يحملونها حتى يتحصلوا على دراهم قليلة تسند ظهور أهلهم !!

ولن يتحيز الضوء لهم؛ فالضوء أعمى تحركه أيادي متزلفين بجيوب جائعة، وتأخذ يدا "كيت" الأبصار بنعومتها أثناء الظهور المتلفز الأول لها بعد انفصالها عن الأمير، كما ستأخذ أيادي أصحاب الزفاف الجماعي أبصار الناس بخشونتها التي خلفها فرط الطرق على أبواب أصحاب المقام الرفيع ليعينوهم على حياتهم الغليظة !!


فبالرفاه والبنين يا سمو الأمير ... وبالعذاب والأنين أصحاب الزفاف الجماعي !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأسبوع التاسع عشر - لأننا هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية !!

$
0
0

موظف بسيط، أخرج من البيت متمتما بأذكار الصباح، قناعتي سر هدوئي، لا يستفزني الطابور الشبيه بأفعى عملاقة والذي أصطف فيه كل صباح؛ فلا مكان للتذمر والشكوى فوق لساني الرطب دائما بذكر الله، وليست هذه الشكوى التي تصدر مرارا من أفواه الزملاء في الطابور إلا قلة صبر منهم؛ فبعد قليل ستأتي حافلة النقل العام لتأكل نصف الأفعى بقضمة واحدة، صحيح أن الإنتظار يتسع أحيانا لإقامة حفل تعارف يتخلله وجبة إفطار خفيفة متبوعة بفنجان من القهوة، بيد أن الحافلة ستصل ولو بعد حين، كما أن تلك الشمس التي تظللنا بنورها الحار، تصبغ جلودنا بلون نحاسي مرغوب، تدفع لقائه النساء المخمليات ثمنا باهظا وهن يتنقلن بين شاطيء وآخر !!

أعصابي من جليد، لاشيء يستثير فزعي؛ فكل ما يرهبه بني الإنسان يمشي إلى جانبي كتفا إلى كتف، ولا يؤرقني مرضي الوراثي وهلة واحدة؛ فلا ريشة على رأسي حتى أكون غصنا ناشزا عن شجرة عائلتي آل "مطحون" التي عانت "متلازمة الفقر" على مر العصور !!
أشفق على الناس التي تركض خلف طموحاتها، فالطموح عندي رجس من عمل الشيطان؛ تفكير يحرمهم النوم والأحلام، أحلام يقظة تخل بأدائهم الوظيفي المقدس عندي، وإذا ما نال أحدهم المراد، عاش قلقا على منجزه، أما أنا فلا أخشى الحسد، رغم أن زملائي دائما يحسدونني لأنني لا أملك شيئا أحسد عليه !!

وحدها الأبواب ما يثير فزعي، لذلك أحرص على إبقائها مغلقة؛ فقد يكون خلف الواحد منها ألف باب، ضيق الأفق أكره التغيير، فأنا لا أعرف من العالم سوى بيتي وعملي اللذين أراوح بينهما يوميا، لكنني سعيد بهذا، وإن كنت غير ذلك، إذن ... فأنا لست من آل "مطحون" !!

مثالي بسيط، مخلص لعملي الذي يدر علي أجر يومي يكفي لتأمين صدري بعلبة سجائر وملء معدتي بوجبتي إفطار وغداء والعشاء عند الجيران، لا أفكر في الزواج مطلقا، وأكتفي بابتسامة فتاة "عانس" ذاهبة إلى عملها، فأسخر النشوة التي ولدتها تلك الإبتسامة في خدمة الصالح العام !!


الحياة التي رسمت خطوطها بشكل يتناسب وأفقي الضيق، ظلت هادئة إلى أن زارني جدي ذات منام، أنحنى ناظرا إلى كفي، ثم ما لبث أن غادر الحلم غاضبا، شمس الصباح، ابتسامات العوانس، وخدمة الجمهور، لم يتركوا لي أي حيز للتأويل، لكنه – أي جدي – عاود الزيارة في منامات متتالية، إلى أن عرفت التأويل، فذات إجازة خالية من المباهج وصلت بعد تفكير عميق أن جدي غير راض عن عدم زاوجي، بدليل أنه ينظر غضبان أسفا إلى كفي الفارغتين من أي محبس، فأنه رغم إدقاعه بأوحال الفقر إلا أنه كان يحث على الزواج والإنجاب؛ فقد كان مؤمنا بـ"المخلص" الذي سينتشل آل "مطحون" من الطين، كان مقامرا بالحلال، ولي من الأعمام 25 عم وعمة بؤساء، كانوا حصيلة لعب جدي وجدتي "القمار" في غرفة معتمة !!


حاولت الفرار من رغبة جدي؛ فوراء باب الزواج تحديدا مئة ألف باب، بيد أن محاولاتي باءت بالفشل؛ ففي المرة التي امتنعت فيها عن النوم، باغتني في غفوتي القصيرة على الأريكة المقابلة للتلفاز، وعندما ذهبت للنوم واضعا محبسا في يدي اليسرى، سرعان ما جاءني في أول النوم قائلا : يسبق الزاوج خطبة يكون محبسها في اليد اليمنى !!


القدر هو الآخر آثر الإنحياز؛ فالفتاة التي عينت حديثا في الدائرة تبدي اتجاهي ودا عز نظيره، تطمئن عن حالي دائما، تساعدني عندما يتكوم الجمهور حول شباكي ..، قالت لي مؤخرا أنني الوحيد الذي تراكبت كيمياؤه مع كيميائها ..، شيئا فشيئا وبمكر نسائي لفتني خاتما حول بنصرها، تعرجت خطوطي المستقمية، واستسلمت راياتي لرغبة جدي، وصار وجودي حول أصبع الفتاة محبسا معدنيا كدلالة على إرتباط رسمي !!


وليس صدفة هذا التوافق الكيميائي بيننا، فهي من آل "معجون"، وآل "مطحون" وآل "معجون" هما فخذان من عشيرة "بني مأزوم"، وهي قارئة جيدة في علم الأنساب، وقد شرحت لي عن جدنا الأول "مأزوم ابن أزمة" وكيف قاتل "فقر الدم" ببسالة، ونجا من أربعين فيضان اقتلعوا خيامه، وستين محاولة اغتيال من الجيش الإنكشاري العثماني لتخلفه المستمر عن دفع الضرائب !!


ما كنت أعلم أن الطريق إلى بيت الزوجية طويل مهلك، وحدها محابس الخطوبة تسببت بجفاف شهرين متتاليين، ولدور السينما والمقاهي حكاية أخرى، وفي الطريق صالة يستلزم الجلوس فيها ساعتين راتب عام كامل، وعندما قررت التحايل على الوقت، قدمت لــ"قرض حسن"، لكن حسن قصير اليد، والممنوح لا يكفي لنصب "شادر" يقام فيه حفل للشباب فوق سطح العمارة !!


وعندما استوطن اليأس أوصالي، صارحتها برغبتي في استرداد حياتي الأولى، لكنها تمكنت من إقناعي أن العسل كامن خلف الباب الأخير، ثقتها بعنفوانها وشبابها جعلت من الوقت مسألة ثانوية، ومرة كبرت في رأسها عندما أخذ بريق إعلان "سكن لطيف لمواطن خفيف" عينيها، وراحت تقتعني بأننا لو عملنا لساعات إضافية (تفوق بعددها ساعات العمل الرسمي) فأننا بذلك نستطيع تأمين دفعة أولى لشقة العمر، وزادت على ذلك بأن قالت أن المخلص المنتظر (أمل جدي) يجتاج إلى حاضنة دافئة لتفقس فيها مواهبه بأمان، فتلك المواهب هي التي ستنتشل آل "مطحون" من السخام !!


وبعد عامين من العمل المتواصل تمكنا من الإيفاء بالدفعة التي يتبقى مثلها ثلاث مرات، وما أن دفعنا المبلغ حتى هرب المتعهد، وصارت قضية "سكن لطيف لمواطن خفيف" قضية فساد كبرى، وضعنا نحن الصغار في متاهاتها، وفي أثناء ركضي المحموم ما بين دائرة وأخرى، علني أسترد جزء من شقائي، شخت دهرا، مما جعلني عازما على "فك الإرتباط"، وأغريتها بالتنازل عن دفعة الشقة (إن عادت) وباقي الحقوق الأخرى، لكنها كشرت عن أنيابها، وصرخت بملء صوتها وصرحت للمرة الأولى بأن زواجها مني ليس مشروع زواج "أجدب" من "جدباء" إنما تنفيذا لرغبة جدها الذي يزورها في المنام هو الآخر طالبا منها "مخلص" لآل "معجون" !!


وإلى الأمام مشيت فوق النار؛ فما عاد هنالك وراء، وبعد مخاض عسير ...


تزوجنا، وفي صبيحة العرس تم الطلاق !!


أرض المعركة كانت بعيدة جدا، والجيش المرهق أصلا سار المسافة مشيا، وظلام الطريق أورث في النفس الألم والحسرات، وتعاقب الفصول المتطرفة ببردها وحرها غلف الأسلحة بالصدأ ..،


كنت أبكي أمام صورة جدي راجيا منه العفو والسماح، أمسد شعري الأبيض وأردد :


لأننا هرمنا ... هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأسبوع عشرون - فتاة رغم المشيب

$
0
0




عندما تعظم الشمس وتميل للاحمرار، يتناثر الصبية في الشارع حتى ليحسبهم الناظر أحجار سبحة انفرط عقدها للتو، وعلى إحدى الشرفات المطلة على الشارع، تقف أرواد السمراء ذات القلب الأبيض، وعيناها البنيتان قطعتان من البرونز اللماع لانعكاس الشفق الأحمر عليهما، وكلما داعبت نسمة منعشة وجنات الصبية، امتدت أبصارهم إلى الشرفة التي تقف فيها أرواد، اعتقادا منهم أن مرد تلك النسمات يد أرواد التي تلوح لهم بين الفينة والأخرى، فتلك اليد الكريمة التي لم تفرغ يوما من السكاكر التي يحبونها، صارت في عقولهم البريئة قادرة على وهب كل ما هو جميل، حتى لو كان هذا الشيء هو تلك النسائم المنعشة التي تنساب ساعة الأصيل بعد نهار صيفي لاهب.

تفتح أرواد كيسا من السكاكر، تغترف منه ما تيسر، ترفع قبضتها في الهواء عاليا:


" يا أولاد "، فيترك الصبية الكرة التي كانت تتعارك عليها أقدامهم وحيدة، ويندفعون إلى الرصيف الواقع أسفل الشرفة، تنظر أرواد إلى الأسفل ... أياديهم الصغيرة المرفوعة في الهواء، رقابهم المشرئبة إلى أعلى، أفواههم المفتوحة على اتساعها من الصرخات، " أنا ... أنا ... أنا"، كل هذا يجعل المشهد في عيني أرواد كأفراخ جائعة تتقافز متلهفة لالتقاط ما في منقار العصفورة الأم.

تغيب عينا أرواد  لفرط ما ضحكت، ثم تسأل:


_ من منكم يشجع "مدريد"، فيرفع عدد لا بأس به من الصبية أيديهم " أنا ... أنا ... أنا"


_ من منكم يشجع "برشلونة"، مجموعة أخرى من الصبية ترفع أيديها عاليا، وتلاحظ أرواد أن بعض الأيدي ارتفعت عند السؤالين، فتضحك من قلب القلب على هذا المكر الطفولي، ثم ترخي قبضتها فتتساقط السكاكر على الأطفال، ويغرق المكان بالصخب والعفوية البريئة حتى يسدل الليل ستاره الأسود على ذلك المشهد الذي يتكرر في كل يوم.


هناك في الداخل، كانت عينا أم أرواد تناظر المشهد، ومقدار السعادة الذي تسكبه تلك الحالة في قلب أرواد، هو مقدار الحسرة نفسه الذي ينسكب في نصف قلب الأم الأيسر مع كل أصيل، فالطفلة التي كانت بالأمس تغفو بين ذراعيها، كبرت وكبر قلبها الذي كان بحجم قلب عصفورة حتى صار يتسع لأطفال الدنيا أجمعين، ولكن أم أرواد تعلم يقينا أن جوعة قلب المرأة لا يسدها إلا كائنا يسكن الأحشاء عاما إلا ثلاثة أشهر، وأن فرصة أرواد في الأمومة تتضاءل أصيلا بعد أصيل، كما يتضاءل نصف قلب أم أرواد الأيسر حسرة بعد حسرة، أما النصف الأيمن فقد ذاب شوقا منذ زمن إلى ابن وعدها بأن لا يطيل الغيبة أكثر من عامين، وها قد مر عقد من الأعوام ولم يعد.


وتمضي الأيام ...


وذات أصيل، بينما تعبر أرواد من أمام والدتها حاملة كيس السكاكر لتحجب عنها ضوء الشمس الذي يتسلل من النافذة الغربية للحظة، تستدعيها والدتها للجلوس إلى جانبها، وما أن تجلس أرواد حتى تضمها الأم إلى ذراعيها، ضمة كاد عظم أرواد أن يختلط بعضه ببعض لشدتها، ولقد كانت الضمة الأخيرة.


خمسة شهورة مرت على موت أم أرواد، وما أبطأ الوقت وما أثقله على قلب أرواد، وكأن عقرب الثواني يخز قلبها في كل نقلة، ولكن تلك الأحاديث التي كان يرددها أقارب أرواد من الرجال على مسامعها هي ما هونت عليها فجيعة الفقد، أحاديث عن ذلك النعش الذي كان يطير بخفة فوق أيديهم، وقبر ينتطر بلهفة أن يضم بين ضلوعه جثمان تلك المرأة الصالحة، وللحقيقة، ما كان هذا القبر إلا باب دهليز يصل الأرض بالجنة، ولكن النقطة السوداء الوحيدة التي كانت في تلك الجنازة هي أن من بين كل الأيادي التي تناوبت على حمل النعش، يدا واحدة غابت، هي يد أخوها الموجود في "المهجر".


وتتوالى الأيام، وفي إحدى الصباحات، تستيقظ أرواد على صوت رنين متواصل، ترفع سماعة الهاتف:


_ ألو ...
_ ألو ... أرواد كيف أنت؟
_ أهلا أسامة، أنا بخير، كيف أنت؟
_ أنا بخير والحمد لله، ولكن أين اللهفة التي كنت أسمعها دائما في صوتك؟
_ ألا زلت تسأل عن اللهفة يا أسامة، وعدت أمك بأن لا تطيل الغيبة أكثر من عامين، وفي كل مرة كانت ترجوك أن تعود، تقول لها عندما أحصل على الجنسية، وماتت أمك ولم تراك حتى في جنازتها، وتسأل عن اللهفة !!
_ حبيبتي أرواد، لو أنني أتيت، لما استطعت العودة مطلقا، فأنت تعرفين أن وضعي ليس قانونيا بعد، ولكن المحامي طمأنني أننا نسير في الاتجاه السليم، هانت يا أرواد ... هانت، والله أني مشتاق لك،
تخف نبرة العتاب التي كانت في صوت أرواد وتقول
_ وأنا أكثر يا أخي، يا ابن أمي وأبي
_ أرواد هناك صديق تعرفت عليه في المسجد، وسيأتي معي بأذن الله ليراكي،
تصمت أرواد هنيهة،
_ أنه شاب خلوق جدا يا أرواد، ومن رفاق المسجد
_ كما ترى يا أخي، كما ترى، ثم يتبادل الشقيقان الأحاديث المختلفة، ونبرة أرواد تزداد بهجة عبارة تلو والأخرى، فعلى الرغم من مؤهلها العلمي العالي، ومنصبها الرفيع في العمل، إلا أن كل الشهادات والمناصب تتساقط أمام لحظة حلم بأمومة.


تمضي الأيام ... تليها الشهور ... تليها السنين، وتتساقط الأوراق من على رزنامة الأيام ورقة بعد ورقة، وأرواد تزجي أوقات الإنتظار في الوقوف على الشرفة، وما كان وعد أسامة لها إلا حقنة صبر، فأسامة لم يدخل المسجد يوما، ورفاقه لم يكونوا إلا رفاق حانة وليسوا رفاق مسجد، وكلما سقطت على أرض شرفة أرواد دمعة، سقطت مقابلها دمعة أخرى في "المهجر" من فصيلة الدمع ذاتها، ولكن دمعة أسامة كانت دمعة ندم على نذالة اقترفها بحق زهرة رقيقة تركها في مهب الريح، ولكنه سرعان ما كان يجفف تلك الدمعة، بجرعة من الكحول أو سيجارة من "الماريجوانا"، أو في أحضان أنجلوساكسونية، مثلما يجفف باقي الرجال دموعهم، وأرواد تنتظر، وفي كل مرة يهاتفها، يحقنها بالصبر، وهي لا زالت في تصديق مستمر، فما أبيض قلبها،

ومرة ...يدخل إلى الحي رجل وسيم الملامح، فيتفرس بحنين مغترب كل ما تقع عليه عيناه، ويشرح للصبي الصغير الذي برفقته عن ملاعب طفولة أبيه، والفتى يهز بشعره الذهبي مبتسما، وقد غاب عن هذا المشهد العائلي ركن مهم اسمه الأم، لأن هذا الولد كان ثمرة جرعة زائدة من الكحول وغمامة من "الماريجوانا"، وهناك في شرفة بعيدة تقف فتاة اسمها أرواد، تحمل السكاكر وتنثرها فوق رؤوس الصبية، ولا زالت تحتفظ بالملامح نفسهاإلا أن  شعرها صار بلون قلبها ...

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء الحادي والعشرون - خميس الحياة

$
0
0




الليلة خميس، برجك يقول أن الكون بسمواته وكواكبه ونجومه وأقماره متواطىء معك بشكل صارخ، قفي في الشرفة ريثما أصلك، إنتصبي كملكة تطل على شعبها، تنشقي هواء ملء رئتيك؛ فكل الهواء اليوم لك عبير، لا تقفي أمام الخزانة طويلا حتى تتخيري الحذاء الأنسب، تعالي حافية القدمين؛ فالتراب الآن من تحتك حرير، لا تتعطري، خلي فضاء سيارتي يعبق برائحتك الربانية، لا أريد الليلة أي حواجز صناعية بيننا، إذن ... هبت رياحك يا حبيبتي فاغتنميها، وأنا بدوري سأجاور السعيد حتى ينتابني السعد.


حبيبتي ... هاتفي المحمول يتملل في يدي، دعيني ألتقط صورة لك؛ فعندما دلفت السيارة فكأنما الشمس ركبت إلى جانبي، أفهم تحفظك على الصور؛ فأنت تخافين أن يأتي يوم يقف فيه أحفادنا أمام صورتنا ليضحكوا ويتندروا على أشكالنا القديمة : تسريحة الشعر، شكل ولون الملابس ..، تماما كما نفعل أنا وأنت عندما نقف أمام صورة جدي !!

اسندي رأسك إلى المقعد، لكم يروقني هذا "البروفايل" الجميل : الرقبة الطويلة، الأنف اليوناني الدقيق، بالله لا تلجمي طيش شعرك بيدك، دعي الريح تعيث به جنونا، فما أدراك عل الريح تصمت غدا، وأظنها اليوم مرسلة بمهمة محددة؛ أن تداعب شعرك حتى تصبحي في عيني ملكة بكامل المواصفات والمقاييس؛ فروح الكون تعرف مالذي يستفز رجولتي، الكون منحاز لك بوضوح، هكذا حدث برجك !


هاقد خرجنا من الشوارع المكتظة الضيقة كشرايين رجل مريض، وها نحن ذا في أول الشارع الواسع المؤدي إلى الجبل البعيد، الطريق طويل لكنه سريع، يدي غافية فوق مبدل السرعات، فلا حاجة لها للاستيقاظ ما دام الطريق خاليا والغيار خامسا، حواسي متيقظة، مساماتي مفتوحة، ضعي يدك فوق يدي الغافية فوق مبدل السرعات، دعيها حتى تشتعل فيرشح باطنها عرقا تشربه مساماتي المفتوحة على اتساعها، عل عدوى النعومة تنتقل إلى يدي التي جففها طول عمل بلا جدوى، لا تربطي حزام الأمان، قد يعيقك إذا ما أردت النوم على كتفي، قد تخيفك سرعتي التي تزيد اطرادا و نشوتي، لا عليك ... كوني على يقين بأننا سالمين من الآذى حتى لو انقلبنا ألف مرة في الهواء، سنخرج من تحت الأنقاض بعافية وليدين باسمين، فالبلاء عنك مرفوع اليوم، هكذا قال برجك، لا تتوقفي عن الهمس في أذني؛ فالطريق طويل، ولا تتعجبي إذا ما خلفت أنفاسك العذبة الندى فوق وجهي، فقد صار وجهي في حضرتك تحفة من "الكريستال" الفاخر !!


هاقد وصلنا إلى الجبل البعيد، لماذا وضعتي (الحجاب) ، المكان خالي من البشر، أما القمر والنجوم فهم من "المحارم" أنسيتي أنهم أخوانك في الحسن !!، فكي (الحجاب) وتحزمي به حتى ترقصي، سأترك باب السيارة مواربا حتى يتسرب منه صوت "كاظم" صادحا بأن " الليلة غير ... شعوري غير ... أشواقي غير ... حتى الأغاني غير"، أما أنا  فسأرقص بالسبحة كما الرجال، ولا تمتعضي إذا مارميت السبحة وصرت أتقافز جنونا، أعرف أنك تحبين رزانة الرجال، لكنك لا تعرفي ماذا تفعل إمرأة ترقص عارية القدمين بقلب الرجل؛ لأنك لم تكوني رجلا ليوم واحد، ولولا موعود الله بحور العين، لما فتحت بلاد في أقاصي الأرض سارت إليها الرجال تحت قيظ الظهيرة وفي جوف صقيع الليل !!


لم أكن إمرأة في يوم من الأيام، لكني أعرف الذي يرعش قلب الفتاة الشرقية؛ فهي تعيش العمر في انتظار ساعة يسكب فيها الحبيب حلو الكلام في روحها، ولك مني أن أهمس في أذنك أيابا حتى تذوبي كقطعة سكر في كوب شاي ملتهب، أما الآن فلنرقص ... فلنرقص، ولتكن تلك الرقصة بيان حياة ضد موت عشناه منذ الولادة !!


فلنرقص ... سأمتطي هذه الصخرة المقابلة وأصرخ على طريقة "العقيد" الطاعن في السن والخرف معا : " رقصة ... رقصة ... إلى الأمام ... إلى الأمام" !!


فلنرقص ... قبل أن تمتلىء المقل بالدمع،؛ فغدا هو الجمعة يا حبيبتي، والمراهق السوري الغافي في أحضان أمه الآن قد تسول له نفسه أن ينزل إلى الشارع غدا، ليتغرغر بكلمة "حرية"، فيدفع ثمن تلك الغرغرة نوما في قبضة "عزرائيل" !!


فلنرقص ... فغدا وبعد الصلاة تحديدا ، سيطل علينا زعيم اليمن المخبول بفعل "القات" السيد "صالح" ليمطر الرؤوس بكلام "مالح"، سيقسم أمام الجمهرة التي أغراها بالمجيء مقابل وجبة "كنتاكي" بالثوابت والمباديء أنه لن يستخدم العنف ضد ما يسميهم بــ"الإنقلابيين"؛ فتكون الحصيلة (موت عشرين إمرأة إنقلابية) بالرصاص الحي في "تعز" !!

فلنرقص ... قبل أن يكون الوقت جمعة، فـ"عقيد ليبيا الثائر صاحب الخيمة الأشهر في التاريخ، قد يخرج من جحره هو الآخر، حتى يقنع "النيتو" بالتخلي عن فكرة استهدافه، فنيراهم بعيدة عن الهدف مادام "العقيد" يسكن في قلوب شعبه المذبوح في "مصراته" على حد زعمه !!

أرقصي ... أرسمي لوحة باذخة الجمال، كوني وهجا أبيض يتراقص على خلفية سوداء مزينة بالقمر والنجوم، فاللوحة غدا حمراء قانية، أبطالها جثث بعمر الورود تتمدد على بلاط بارد، شباب لم تعرف النساء بعد، فبالله كيف يموت الذي لم (يخش دنيا) بعد !!

أرقصي ... فنحن الأمة الوحيدة التي تموت قبل أن تحيا، إجعلي الليل طويلا، لا أريد أن أنام؛ فأنا في كل ليلة أحلم بإمرأة تنتظر دخول ولدها من الباب، ثم ما ألبث أن أراها تنهار عندما يدخل عليها عبر شاشة "الجزيرة" نائما غارقا في الدماء !!

فلنرقص ... فلنتحرك قبل أن نتسمر غدا أمام الفضائيات لنعرف الحصيلة النهائية لعدد القتلى، أرقصي فجمعة الغد لم تسم بعد، فالأسماء استنفذت ما بين " جمعة خلاص" و "جمعة رحيل" و "جمعة صمود"، بيد أن حيلة المفردات قاصرة أمام لؤم الواقع الذي يعنون كل الجمعات بــ"جمعة الموت" !!

حبيبتي ... أرقصي حتى ينتصف الليل، أريدها ليلة عمر، فسامحيني على كذبي الأبيض، فأنا لم أقرأ برجك اليوم، بل أن علاقتي بالأبراج تشبه علاقة "الشيف رمزي" برياضة الجمباز ..،

لكنني أردته "خميس حياة" قبل أن تدخل "جمعة الموت" حيز التنفيذ !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء الثاني والعشرون - إلى الخلف در

$
0
0



كنت دائم الخلاف مع المجتمع، كان مصرا أن أعيش في جلبابه، ومثل عورة كنت أبرز بين حين وآخر، مما سبب له الحرج مرارا، إلى أن نفذ صبره ورفضني؛ فالمجتمع النمطي يكره الجمل المعترضة، طيشي كان كبيرا والجلباب ضيقا !!

نفيت، فاحتواني مجتمع افتراضي كلاجيء طائش رفضت كل موانيء ومطارات العالم استقباله، وكما كل المبعدين في المنافي القسرية، وجدت ما افتقدت في مجتمعي الأم، وشكرت السماء على ما أصابني من نفي وتهميش، ذلك لأني أدركت أخيرا أن العالم كبير جدا خارج الجلباب !!

المجتمع الإفتراضي واسع جدا حد احتواء كل المجتمعات تحت سمائه الإلكترونية؛ ما يجعلني أخطو بحرص مشاء في أرض الحفر؛ فجرح الذاكرة لا زال طريا، أخاف أن أدخل موقعا يكون مستخدميه من ربعي السابقين، كأن أتعثر أثناء بحثي في موقع "flicker" عن مشاهد خلابة بصفحة مستخدم عربي وضع صورا تحت عنوان (حارتنا) فأصاب بالتلوث البصري ثانية بسبب صورة حارته !!

أو أن أصل صدفة إلى صفحة مستخدم عربي آخر وضع صورا تحت عنوان "الربيع في بلادي"، فتعود إلى ذاكرتي الصورة الخاطئة عن الربيع التي تم ترميمها عندما شاهدت صورا للربيع في غرب المانيا؛ فلون العشب هناك أخضر بهيج، ولون الخراف أبيض كالثلج البكر، عكس الربيع العربي الذي يكون فيه العشب زيتي مغبر ترعى فوقه خراف بلون "سكري" من شدة (الوسخ) !!

حائطي على "facebook" مرآة روحي، عكس حائط بيتي الصامت الذي لا يعبر حتى عن نفسه، والذي نقشت عليه ذات يوم ما كان يجول في خاطري، فجأت "أمانة عمان" ودفعتني غرامة ثمنا لخواطري، إضافة إلى طراشة الحائط على نفقتي الخاصة !!

في عالم الواقع (مطوع) يطاردك بعصاه الغليظة حتى المسجد؛ وذلك حتى تقيم الصلاة، ومع أني لا أفهم كيف يمكن لمذعور أن يقيم صلاة تحتاج إلى أعلى حالة من صفاء الروح ! إلا أن تساؤلاتي توقفت عن التدفق لما انعزلت وما عاد أي شيء خارج إطار شاشة حاسوبي يعنيني، بيد أن العالم الافتراضي توسع حتى وصله (مطوعون) متطوعون غير تابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، ما حدى بي إلى إقامة حساب ثاني على "facebook" جل الـ "friends" فيه من الأجانب، ولو علم المطوعون الجدد بأمره لنسفواه عن بكرة أبيه؛ لما يحتوي من "فسق ومجون" !!

أكبر المشاكل يكون حلها بنقرة في العالم االافتراضي، فعندما تطرق إحدى "مستورات" إفريقيا إيميلك؛ إذ توفي زوجها وصارت أرملة، ما عليك إلا أن تنقر على "delete" فتصبح الأرملة أثرا بعد إيميل في غضون ثوان، أما "مستورات" الواقع فلا تردها النقرات ولا اللكلمات؛ فبعد أن تدعو بأن يفتح الله عليك أبواب الرزق، تدعوا بأن ييسر لك "بنت الحلال"، وقد تكون متزوجا فتقول لك مستدركة : " الله يرزقك مثنى وثلاث ورباع ... ومن ثنى دخل الجنة " فتنقدها بما تيسر حتى تفتك منها، لتلتفت من بعد ذلك يمنة ويسرة فتجد أنك خسرت زوجتك، التي ظنت أنك نقدت "المستورة" ابتهاجا بدعوتها !!

دخلت عالما افتراضيا فغدوت مفقودا في عالم الواقع، سلم الجميع لرغبتي، صرت في عين البعض ميتا، وفي عين البقية صرت نسيا منسيا، وحده والدي ازداد الحاحا؛ كان يحذرني أن الدنيا تركض من حولي وأنا قابع في مكاني، وأن جلوسي كالأطفال أمام شاشة الحاسوب لا يليق بالشيبات الخمس التي ظهرت مؤخرا في رأسي، ولأن شيبته عزيزة وكبيرة في قلبي، أذعنت لرغبته ودخلت في الجلباب مجددا !!

نزلت إلى الشارع تملؤني الثقة بأن الجلباب صار فضفاضا، كما كل شيء في هذا الكون الذي يزيد اتساعا وامتدادا، فعاودني التلوث البصري كرة ثانية، لا بسبب (الحارات العشوائية) إنما بسبب فتيات يلبسن (إشارب) من نفس لون الحذاء، ويتحزمن بأحزمة لميعة فاقع لونها لا تسر الناظرين ! حتى أنهن صرن بهذا يشبهن بعضهن حد التطابق؛ شعرت بأنني أمشي في الصين؛ فالوجوه في الصين كلها لرجل واحد، أو لإمرأة واحدة مركب على أجساد مختلفة، والخراف صار لونها بنيا قاتما لفرط ما لوثها "الديزل" فرحمة الله على أيام كانت تزهوا بها الخراف بلونها "السكري" !، ووجدت الجدران على خلاف جدران "facebook" والتي تقربنا إلى بعضنا، فالجدران في الواقع جدران فصل عن الآخر، فالمخالف لوجه نظرك يعني الجحيم، والهواتف النقالة تحولت إلى مطوعين، فمنها من يؤذن، ومنها من يقرأ القرآن ، أما "المستورات" فتلك حكاية أخرى، فإن لم ترميك بحجر ( بعد أن تكون قد تعلقت في حزامك لمدة نصف ساعة ) تقوم بالدعوى عليك في حال امتناعك عن الدفع، وقد تشتمك شتيمة خفيفة في العرض !!

تكاثر الشيب، فقفلت عائدا حيث كنت، فسامحني يا والدي، فأنا بعد اليوم لست معنيا بـ"جاهات" لم أكن عريسا ليوم فيها، ولست معنيا بدفع (نقوط) ابنة عمي التي وضعت مولودها الخامس عشر! فأنت تعرف وجهة نظري في الوافد الجديد إلى هذه الحياة، فهو مجرد بائس آخر يمشي بين الناس، أو وجبة طرية لهذه الدنيا، ولست معنيا بأناس يقيمونني من بذلتي أو من ربطة عنقي، سأوي إلى أناس أحبوا روحي، وخلي لك مجتمعك هنيئا مريئا، أما أنا فلن أعاود الكرة ..،

عجبي من الجلباب الذي (كش) دون أن يغسل !!









الأسبوع الثالث والعشرون - خدعوك فقالوا

$
0
0

بعد أن تعدت الخلافات مستوى الأفراد وصارت على مستوى دول، قررت الدول العظمى إنشاء مخفر أممي على شاكلة المخافر المحلية الصغيرة، والتي يدخل إليها الفرد منا ديكا ويخرج منها دجاجة، ولكن غير بياضة!!

ثم قامت تلك الدول ولإغراض (برستيجية) بتسمية هذا المخفر " هيئة الأمم المتحدة" وفي هذا المخفر الكبير يمكنك تقديم شكوى ضد دولة ما، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد فرد من دولة أخرى، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد دولة أخرى، أما إذا أراد "خليل" أن يقدم شكوى ضد "منصور" لأن الأول قام بقذف الثاني (بتنكة) سمنة فارغة، فما عليه إلا الذهاب لأقرب مركز أمني محلي، وهناك ستأخذ العدالة مجراها وتقوم بحبس المشتكى عليه والمشتكي معا في زنزانة واحدة!!

ولو تقرر ذات يوم نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى عمان، فأنا أول من سيقوم بتقديم شكوى ضد دولة كبرى ...

سأقوم بتقديم شكوى ضد "اليابان"!!

سأرفع قضية ضد اليابان لأنها كانت السبب المباشر بإفساد أخلاقي بتلك المسلسلات الكرتونية التي قامت بعرضها أثناء فترة طفولتي من مثل ( غرندايزر، سندباد، ساسوكي، ريمي، بيبيرو)، والتي صورت لنا أن الحياة نزهة جميلة وإن تخللتها بعض المتاعب، وأن المرء مهما أحاطت به الشرور فلا بد للخير أن ينتصر في النهاية.


وقد أثبتت الدراسات أن شخصية الفرد تبدأ في التكوين في سن الخامسة أو السادسة، (يعني في عز فترة مسلسلات الكرتون)، سأطالبهم بإرجاعي مرة أخرى إلى زمن الطفولة، شريطة تغير كل النهايات، مثلا سأ طالبهم بجعل نهاية "ياسمينة" تلك العصفورة التي كانت ترافق "سندباد" طوال فترات المسلسل- سأطالبهم بجعل نهايتها نهاية واقعية- كأن تسقط صريعة حجر (نقيفة) على يد ولد مشاكس، لا أن تتحول من عصفورة إلى أميرة مثلما كذب علينا اليابانيون في نهاية المسلسل، سأطالبهم بجعل نهاية "دايسكي" بطل مسلسل "غرندايزر" - سأطالبهم بجعل نهايته نهاية واقعية جدا - كأن يموت ضحية رصاصة طائشة في عرس، لا أن يعود هو وأخته "ماريا" إلى كوكب "فليد" بعد أن تمكنوا من القضاء على الشرير الأكبر "فيغا"، أو سأطالب بجعل نهاية "مارك" حبيب "ساندي بل" على يد شقيقها، وذلك عندما قام بطعنه ست طعنات بواسطة موس "سبع طقات" عندما رأه يتسكع في شارع الوكالات برفقة أخته "ساندي" (مفرعة بدون حجاب)، أو ممكن أن أقترح عليهم جعل النهاية أقل مأساوية، كأن يترك "مارك" رسالة لـ"ساندي" يقول فيها: ( أوعي تفرجيني خلقتك يا وجه الفقر، أنا رايح أبرطع بمصاري كيتي وأمشكح بسيارتها الحمرا الكشف)، وهذا سيريح "مارك" من أهل "ساندي" وأخيها (الدواوين)، فأهل "كيتي" (كووول)، ولكنني سأكون أكثر تسامحا مع قدر "ساسوكي" عندما سأطالبهم بجعله ينهى حروب (النينجا)، ويحصل على تقاعد مبكر ومكافأة نهاية خدمة والتي سيستثمرها بتنزيل (تكسي) أصفر لـ (يطقطق) عليه في شوارع عمان.

ولكن أتدرون ...

سأخسر القضية بكل تأكيد، عندما سيقوم محامي الدفاع الياباني " يوكو ماتي رابح قضاياتو" بالترافع، سيقدم ألف دليل على أن مسلسلاتهم الكرتونية كانت تحاكي الواقع الأنساني بأسره (باستثناء العربي طبعا)، وأن العرب هم من قاموا بشراء ودبلجة هذه المسلسلات إلى لغتهم بسبب افتقادهم لأي إنتاج كرتوني عربي، إلا أن هذه القضية لن تتسبب بأي أزمة بين اليابان وبين العالم العربي، فاليابانيون شعب ودود جدا، وعلى العكس تماما، سيقومون بمد يد العون لنا، وسيرسلوا إلينا لجنة لتدرس مراحل حياة الإنسان العربي منذ الطفولة وحتى الممات، ومن المؤكد أنهم سيقومون بإنتاج مسلسل كرتوني عربي يكون بمثابة محاكاة لواقع الإنسان العربي
أعتقد بأنهم سيسمون بطل المسلسل (عطا)، لأن المواطن العربي هو الوحيد الذي يعطي ولا يأخذ، يدفع الضرائب ويدفع (الخاوة) ولا يحصل على أدنى حقوقه الإنسانية كتأمين صحي أو راتب شيخوخة، سيستعينوا بالممثل المصري "محمود ياسين" وذلك بسبب صوته الإذاعي ليحكي لنا المقدمة والتي ستكون كالتالي:

الرجاء قرأة هذا النص بصوت "محمود ياسين" :

" في بلاد النصف مليار عطعوط، كان هناك طفل يدعى عطا، عاش عطا في حي المطافيس، وفي سن مبكرة جدا قام والد عطا بالحاق عطا بورشة حدادة ليعمل فيها بعد الدوام المدرسي، وذلك بغية جمع ثنائية المجد ( شهادة ثانوية عامة، وشهادة حدادة)، كبر عطا ولما بلغ الأربعين (عمر الحكمة) أصيب بالسكري، وبعد سنتين أصيب بالضعط، وبعد عام أصيب بتصلب الشرايين، ثم داهمته الجلطة الأولى، فالثانية، فالثالثة، ولكن عطا لم يستسلم، قاتل بضرواة عز نظيرها، وتمكن في النهاية من الموت داخل البيت" !!
( طبعا النهاية السعيدة هي أن عطا مات في بيته ولم يمت بالشارع بعد أن قام أهل الخير بعمل لمة شهرية لتغطية إيجار بيته).

وبما أن الابتلاء ملازم للإنسان العربي من المهد إلى اللحد، وليس مثل ابتلاء "ساندي بل" الذي لم يتجاوز الخمسين يوما، وهي عدد حلقات المسلسل، فسيكون العرض متواصلا في مسلسل (مغامرات عطا)!

ولكن ...

ماذا لو أن مسلسل (مغامرات عطا) رأى النور فعلا؟ ما لذي يمكن ان يحدث يا ترى؟
لا تفكروا كثيرا ...

سيخرج علينا أحدهم قائلا: "كل من يتابع هذا المسلسل كافر، فهذا المسلسل مؤامرة صهيونية أمريكية يابانية مشتركة ! هدفها غرس كره الحياة في رؤوس أطفالنا، الآمر الذي سيؤدي بهم إلى كره الحياة والعزوف عن الزواج والتكاثر"، ألا تذكرون الضجة الإفتائية التي آثارها مسلسل "البوكيمون"؟!! وما أن تسمع "أم العبد" بالفتوى حتى تصرخ بأعلى صوتها: ( الله يفتح عليك يا شيخ)، ثم تنادي على "أبو العبد" قائلة : ( يا الله يا أبو العبد شوف شغلك خلينا نجيب ولاد ونكيد العدا )!! و ( أمبلانس رايح وأمبلانس جاي على بيت أم العبد) وفي كل مرة تعود "أم العبد" بتوأم، (بالجوز)، ومع أن الهدف من وراء عملية الإنجاب الكبرى التي قامت بها "أم العبد" هو كيد الأعداء، إلا أنك عندما ستسأل أحد أولاد "أم العبد" المتناثرين هنا وهناك بين الإشارات الضوئية، وورش الحدادة، وورش (تجليس البودي)، عندما ستسأل أحدهم عن فلسطين، سيجيب مستنكرا : ( مين فلسطين، الله يبعدنا، ماليش على قصص النسوان)!!

كلنا كثرة وقلة في الفعل والبركة ..............

بالأمس حطم رأسي رقما قياسا عالميا بالطول، فقد بلغ من الطول ما لم يبلغه من قبل، الآمر الذي أضطرني للذهاب إلى الحلاق، كنت أركض في الطريق إليه بسرعة فاقت سرعة الضوء، فالحالة طارئة، وما أن وصلت هناك، حتى أجلسني على ذلك الكرسي الأسود الكبير، ثم قام بتطويق عنقي بذلك المريول الأبيض حتى كاد أن يخنقني، وللمرة الأولى بعد عمر من الحلاقة والتنعيم، اكتشف التشابه الرهيب بين تكتيك الحلاقه وتكتيك الإحتلال العسكري لمدينة ما، فالجيوش تبدأ بحصار المدينة المراد غزوها حتى تنهك قواها، ثم تبدأ عملية الهجوم، ومثل هذا يفعل الحلاقون، يقومون بتطويق عنقك بذلك المريول الأبيض ثم يبدأ المقص بالعمليات العسكرية ضد جمهورية رأسك التي يسكنها الشعر، أما أنت أيها المسكين فتكتفي بمشاهدة الضحايا وهم يتساقطون على أرض المعركة (المريول الأبيض)، والغريب أن الحلاق يمارس هذه الإبادة الجماعية بدم بارد جدا، فهو لا يتوقف عن الحديث إليك أثناء هذه العملية ولا يترك أي موضوع ثقافي، أو اجتماعي، أو رياضي، أو حتى فلسفي، إلا ويتطرق إليه، وما أن يهدأ صوت المقص معلنا نهاية العمليات العسكرية، حتى يقول لك الحلاق نعيما، ثم بمنتهى البرود يقوم بكنس الضحايا (شعر رأسك) ثم يدفنهم في مقبرة جماعية (سلة مهملات).

ولكن ... أكثر ما لفت انتباهي يوم أمس تلك الضحايا (الشعرات البيضاء) التي كانت تتساقط بمعية السكان الأصليين (الشعرات السوداء) على ذلك المريول الأبيض، لتشك علامات فارقة، من أين أتوا؟ من أين جاؤا؟ ... يا الله لقد شبت ...!!

عدت أدراجي ورأسي يضج بالتساؤلات حول موضوع الشيب المبكر، أنه أول الأوسمة، تلك الأوسمة التي يقلدها القهر للإنسان العربي من مثل (الكرش البلكون)، (الصلعة المستديرة)، (الخصر الساحل)، (الفم النظيف الذي يشبه المغارة الحمراء بفعل تساقط الأسنان)، ناهيك عن الأوسمة الغير مرئية من مثل ( كولسترول، سكري، ضغط دم، تصلب شرايين، سخام الطين)،

وفجاءة ... قررت أن أحارب تلك الشيبات البيضاء، فالظاهرة لا زالت في بداياتها، والشيب غير ظاهر بعد، سأقوم بصبغ شعري، وبهذا لن يلاحظ أصحابي سليطي الألسن أي تغير، ولكني في حال تركت الشيبات تظهر ثم صبغتها فجأءة، فسأصبح سيرتهم( وين يا رايح يا كيوي، ومن وين جاي يا كيوي)، إذن لأقضي على هؤلاء الثوار البيض في مهدهم، قبل أن يصدروا ثورتهم لبقية سكان جمهورية رأسي، وما أن شرعت في الموضوع وقمت بخلط المقادير حسب النشرة، حتى أطلت شيبة صغيرة علي وقالت: ( أفعل ما شئت بنا، فذات يوم ستمشي بالشمس حتى تعرق وتحل الصبغة على وجهك، ثم نعاود الظهور من جديد، فالثوار لا يموتون)!!

ياه ... تخيلت المشهد يومها، لكم سيكون ذلك مضحكا، ثم أنا الذي نظرت إلى هؤلاء الثوار بعين الإعجاب عندما كانوا يتساقطون الواحد تلو والآخر في معركة الحلاق، أنا أفعل بهم ذلك!! مستحيل.

عدلت عن الفكرة وقلت في نفسي الحمد لله على نعمة وسام الشيب، فمهما كان الشيب سيء ولكنه يظل أرحم من الأوسمة الأخرى، سأقول إن عيرني أحدهم به بأن الشيب وقار، كما قالها من قبلي صاحب (الكرش) بأن (الكرش وجاهة)!!

سأترنم بذلك الموال الشهير: " عيرتني بالشيب وهو وقار، ويا ليتها عيرت بما هو عار"
كما سيترنم صاحب (الكرش) مثلي بالموال ذاته مع تغير بعض الكلمات:
" عيرتني بالكرش وهو جاهة، وياليتها عيرت بما هو عاهة" !!

فهكذا نحن أمة العرب يجب علينا العايش مع عاهاتنا، لا أن ننتظر النهايات السعيدة مثلما علمنا أهل اليابان.

خدعوك فقالوا أن الحياة نزهة، وإذ بها (فيلم مرتب)

منك لله يا يابان

ولم أجد أجمل من توديعكم بأغنية "ساندي بل"

وداعا إلى اللقاء ... في أربعاء جديد

يطيب فيه اللقاء ... وتحلوا المواعيد

سأودعكم ... وقلبي عندكم


http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/



الأسبوع الرابع والعشرون - باستا - باستا

$
0
0



أبطال إدراجي لهذا اليوم ثلاثة، أما الأول فقد أسميته "س" خشية التورط مع (العالم) وذلك عملا بقاعدة المدونة صاحبة الظل الطويل – خفيفة الظل - "ويسبر"، أما الثاني فسأناديه باسمه الحقيقي "كيري"، ليس شجاعة مني ولكن لعلمي أن "كيري" هذا لا يتكلم ولا يقرأ العربية، فـ" كيري" رجل ألماني، أما الثالث فهو (أنا)، لذلك سأناديه باسمه الحقيقي "نادر" لإنه لم يصب بانفصام الشخصية بعد، ومن غير المعقول أن يرفع نادر والذي هو "أنا"، دعوة قدح وذم وتشهير في أروقة المحاكم ضد نادر الذي هو أيضا "أنا"!!


عن "س"

أول طقوسي اليومية هو شرب كأس من الشاي بمعية سيجارة في الحديقة (صيفا شتاء)، وآخر طقوسي اليومية هو أيضا شرب سيجارة ما قبل النوم في الحديقة (صيفا شتاء)، فلا أحلى ولا أجمل من سيجارة وضوء قمر وليل ساكن،


وذات ليلة اكتمل فيها القمر ...


سمعت حوارا ساخنا قادما من بعيد يدور بين مجموعة من الشبان، حوار غريب اختلطت فيه الشتائم، بالنظريات العلمية، بالتاريخ، بالجغرافيا، بالرياضة، كل ذلك كان في جملة لم تتجاوز مدتها الدقيقة الواحدة!!، خمنت أنهم ثلاثة شبان من جيل واحد، فنبرة أصواتهم كانت متشابهة، لم ألقي بالا لما أسمع وعدت إلى سيجارتي، ولكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت ظلا واحدا مرتعشا يقترب في الظلام وتتضح معالمه أكثر فأكثر!!، كل هذا الضجيج كان مصدره حنجرة واحدة إذن !!


يا إلهي الرحيم ... يا إلهي الرحيم


إنه هو ... إنه هو ... ، أنه "س" الذي درس معي في المدرسة نفسها، إنه "س" الذي تقاسم معي المقعد الدراسي ذاته في إحدى السنين، ماالذي وصل به إلى هذه المرحلة المتقدمة من (اللسعان)، أنه يكلم نفسه ويصرخ لوحده، الرجل (لسع) واللسع هو أول مرحلة من الجنون، فالجنون يتكون من ثلاثة مراحل، جنون إبتدائي وتظهر فيه على المريض أعراض من مثل التكلم مع النفس وهذا ما يعرف بـ(اللسع)، جنون ثانوي وهو ما يعرف بـ(التنسيم)، وتظهر أعراض على المريض من مثل توزيع الإبتسامات هنا وهناك، حيث يخيل للمريض أنه يتمدد على أحد شواطيء جزيرة "هاواي" وهو فعليا يكون موجود في "سقف السيل"، أما المرحلة النهائية من الجنون فتلك ما تعرف بمرحلة (الرندلة) ويصبح فيها المريض (مرندل) نهائيا، يسب هذا، ويشتم ذاك، وييتبسم في وجه هذه، ويصرخ في وجه تلك، ولكن مالذي جعل "س" يصل إلى هذه المرحلة من (اللسعان)؟ "س" هذا كان شجاعا جدا ومرهوب الجانب، في كل مشاجرة كنت أستعين به، "س" هذا كان عدواني وخصومته دامية، حتى أن صيته تجاوز حدود المحلية إلى فضاء العالمية، في كل مشاجرة كنت تجد "س" حتى لو كانت في الصين،"س" دائما كان يردد علي ى مسامعي جملته الشهيرة _"خرمان على طوشة يا أبو الندر"، ثم يتبعها بتنهيدة طويلة "اييييييييييييييييييييييه" ثم شفطة سيجارة عميقة، اختفى "س" في الظلام مرة أخرى، ولكن لم تختفي أفكاري طوال الليل، كنت أتسأل طوال الليل عن الأمر الذي أوصل "س" إلى تلك الحالة التي تستحق الرثاء؟


وبعد أسبوع ... ، ألتقيت "س" وقد كان ماشيا برفقة زوجته التي لم أراها من قبل، كان "س" يحمل (البيبي) وزوجة "س" تحمل مفاتيح السيارة، توقفنا، تحادثنا، كان "س" طبيعي جدا ولكن أكثر أدبا وتعقلا عما كان عليه أيام الدراسة، يبدو أن زوجة "س" (ضبعته) فقد كانت ذات شخصية قوية جدا، (ضبعتني) أنا و "س" سويا، كانت من (الكواسر)!!


يالله "س" قاهر الرجال، قهرته إمرأة !!


كانت أمه دائما تقول: "الله يعين اللي بدها تاخدك"


وعلى ما يبدو أن الله استجاب دعوات "الحجة" وأعان زوجة (س) كثيرا كثيرا ...


عدت إلى منزلي، وعرفت سر "س"، لقد كان في تلك الليلة التي رأيته فيها يتحدث مع نفسه في حالة تفريغ، إذن "س" ليس مجنون رسمي، ولكنه يعاني من (لسعان) خفيف بسبب زوجته قوية الشخصية، ناهيك عن مسؤولية ذلك (البيبي)، وجنون متوالية إرتفاع الأسعار، وضيق العيش، وقصر ذات اليد، ولكنه كان قد بالغ في تلك الليلة في الاطمئنان لعتمة الليل وسكونة، لم يكن يعلم أن (لاسعا) آخرا كان يشرب سيجارته خلف سور حديقة منزله في ذلك الوقت المتآخر من الليل!!


والأن نترك (س) قليلا ونذهب للبطل الثاني


عن " كيري"


على الرغم من أن مقاهي "الأنترنت" القريبة من مكان سكني من فئة الخمس نجوم، إلا أن ذلك لا يمنعني من ممارسة هوايتي في "الشبك" من "إنترنت" أثري في منطقة وسط البلد، وعلى ما يبدو أن هذه الهواية لم تأتي من فراغ، هي وليدة (عقدة) حلم لم يتحقق، حلم السفر والتطواف في بلاد الله الواسعة، فهذا المقهى غالب من يؤمه هم السياح، وبعض المواطنين أمثالي، ولا يخلو الأمر من بعض (الديوانجية) العابرين، هنا في هذا المقهى يخيل إليك أنك في "سيدني" إذا جلس رجل "أسترالي" إلى جانبك، هنا في هذا المقهى يخيل إليك أنك في "طوكيو" إذا جلست فتاة "يابانية" إلى جانبك، ولن أقول أنني بهذا أكون قد قزمت حلم التطواف والتجوال حول العالم ألى مجرد الإكتفاء بالجلوس في هذا المقهى الذي يجيئه الناس من كل أنحاء العالم، بل أقول أنني بهذا أكون نجحت في اجتراح (لهاية) أضعها في فم ذلك الحلم كلما جاع وبكى، فنحن العرب خير من أتفن فنون علم التسكيت بـ(اللهايات)، فالمسؤول الذي يطمئن المواطن (الطفران) أن الإستثمارات والخير قادم في الطريق إلينا، هو مجرد (لهاية)، صحن (الفول) الذي أقنعنا أنفسنا أنه يضاهي اللحوم في الفائدة والمذاق هو مجرد (لهاية) لمعدتنا كلما ألحت علينا وطالبتنا باللحوم التي وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية، نحن مثل أم فقيرة جف حليبها، كلما بكى رضيعها قذفت في فمه (اللهاية)، فيا لهذه (اللهاية) اللعينة!!


وذات عصر ... دخل إلى المقهى رجل ستيني أشقر يرتدي "شورت" أحمر و "شباح" أصفر!!، جلس الرجل خلف أحد الأجهزة، كل شيء كان طبيعيا في البداية، هدوء يتخلله بعض العطسات، وبعض (تكتكات) صادرة عن "الكيبوردات والماوسات"، إلى أن قطعت صرخة أطلقها هذا الرجل الهدوء، صرخة شبيهة بصرخة رجل تلقى رمح في قلبه، نظرنا جميعا إلى الرجل، ولكنه لم يلتفت إلى أي أحد منا، ثم تابع الطباعة وكأن شيئا لم يكن!!، وما أن مضت ربع ساعة حتى قام الرجل من مقعده وهم بالصراخ عاليا بلغة يبدو أنها ألمانية، لم نكن لنفهم شيئا مما يردد إلا آخر كلمتان باستا ... باستا!! تارة يذهب إلى اليمين، وتارة يذهب إلى الشمال، وكأنه يلعب دور رجلين في واحد، تعلقت أبصار الجميع به، بلغت القلوب الحناجر، أما أنا فتوجهت إلى الله أن يبتعد عني ولا يؤذيني، فأنا صاحب تاريخ عريق في مثل هكذا أمور، ولا زلت أذكر تلك الحادثة التي حصلت في صباي، حادثة الرجل المجنون الذي ترك الشارع المكتظ بالمارة كلهم وراح يلحقني بسرعة ألف (كيلومتر في الساعة)، ثم أن (الكوميديا) تلاحقني أينما حللت ورحلت، خيل إلي أنه سيقوم بتكسير أحد (الهارد ديسكات) على رأسي، ولكن الحمد لله مر الموضوع بسلام، وبعد الزيارات المتكررة التي قام بها الرجل للمقهى، اعتدنا عليه جميعا، وصنفناه ضمن (المرندلين) المسالمين، ولكنه بقي مصدر رعب للقادمين الجدد إلى المقهى، آخر ضحاياه كانت فتاة "يابانية" جلست بكل هدوء وطمأنينة، ثم أخرجت زجاجة المياه المعدنية من حقيبة سفرها، ثم ضبطت ساعتها مثلما يفعل جميع اليابانيون، ولكنها ما لبثت أن جلست حتى لملمت أشياءها وهربت بسبب صرخة شبيهة بصرخة الضبع أطلقها ذلك الرجل، وبعد التقصي والتحقيق عن ذلك الرجل، اتضح لنا أنه كاتب قصص قصيرة، ألماني الجنسية، يعيش هنا منذ سنة، وذلك ليثري تجربته الحياتية، والتي بدورها ستعود عليه بالإيجاب في مجال القصة القصيرة، واتضح أن اسم ذلك الرجل هو "كيري"، وأنه يتقاضى شيك قيمته (2000) يورو من المجلة التي يرسل إليها قصصه القصيرة، وصراخه وتصرفاته الغريبة كانت ناتجة عن توحده مع أشخاص قصته أثناء التأليف والطباعة.


ملاحظة: أنه يجلس إلى جانبي الآن ويطلق صرخات شبيهة بعواء الذئب، يبدو أن قصة اليوم تتحدث عن صراع ضاري بين حيوانات الغابة!!


والآن لنترك "كيري" ولنجري مقارنة بسيطة بين "كيري" وبين "س"


لو أن "س" لاقدر الله جن، فما الذي سيحدث له، سيفعل مثل بقية المجانين في الوطن العربي، سيرتدي (بالطو) أسود (أبو فروة) صيفا شتاء، وسيعتمر طاقية صوفية سوداء صيفا شتاء أيضا، ناهيك عن لحيته التي ستطول وتطول، وسيلحقه الأطفال ليقذفوه بالحجارة، سيطلقون عليه الألقاب، سيجعلوه حقلا لتجاربهم، ففي الوطن العربي الذي يضرب فيه الأطباء والمعلمون، ماذا سيكون مصير أي مجنون؟ أما "كيري" القادم من الغرب فثمرة جنونه كانت عملة صعبة وتسكع وتجوال في شتى أرجاء الأرض!!


المجانين في الشرق تقذف بالحجارة، والمجانين في الغرب تقذف بالعملة الصعبة!!


تنرك "س" و"كيري" ونذهب إلى البطل الثالث


عن "نادر"


فقدت طعم الحياة منذ زمن بعيد، أصبحت أعيشها بلا وجهة محددة ولا هدف، صرت بعد أن كنت أملاء البيت حيوية ونشاطا قطعة أثاث صامتة، حتى مشاجراتي المستمرة مع شقيقتي على "الريموت" صارت ذكرى، حتى أنها بالأمس عبرت عن ضجرها بسبب قلة المشاجرات، قالت لي: ( حركلنا السوق شوي، زمان ما تهاوشنا)!!


قد أتزوج في يوم من الأيام فالزواج شر لا بد منه، أكيد يومها سأصبح أرنبا مسالما، فصديقي (س)، الذي كان يحسب له ألف حساب أضحى رجلا مطيعا، وكل أصدقائي الذين تزوجوا من قبله مشوا على خطاه!! حتى أنني كنت أجلس بالأمس برفقة صديق عزيز، وما أن تلقى هذا الصديق رسالة من (حماتو) وليس من زوجته حتى رد فورا عليها خشية أن يحل عليه غضبها، تضرع إلى الله أن تصل الرسالة بأسرع وقت ممكن، خيل لي أنه كان يود حمل الرسالة والذهاب إلى حماته في حالة عدم وصولها، وما أن جاءه التقرير الذي يبلغ بوصول الرسالة حتى تنفس الصعداء وحمد الله!!


جيل اليوم تغير، فجيل أمي وأمكم البسيطات اللواتي كن يتقن من الحوار القبول أو الحرد قد ولى، وجيل بنات اليوم يتقن من الحوار الرفض أو (الشحاطة)، وبعد المشاورات مع نفسي خرجت بالخلاصة التالية:


أنا مثل أي مواطن عربي يواجه الغلاء، ويعيش في الإحباط، وفي حال تم الزواج فسأكون مثل بقية من سبقوني من الأصدقاء (أرنب) بامتياز، أي أن الأسباب التي ذهبت بعقل "س" موجودة، ثم أنني أكتب قصص عن "جبر"، وقد يأتي علي يوم أجد نفسي فيه متوحدا مع أشخاص القصة مثلما يفعل "كيري"


وبذلك أكون جمعت كل أسباب الجنون التي أودت بعقل الرجلين، فإذا شاهدتم في إحدى إدراجاتي كلمة باستا ... باستا، فهذا مؤشر للجنون، فما عليكم يومها إلا أن ترسلوا للمدون " أشرف محي الدين" صاحب مدونة أفكار وتساؤلات، فهو الوحيد الذي يعرفني شخصيا ويعرف عنواني، وذلك لعمل لمة شهرية خشية أن أدور في الشوارع وأقذف بالحجارة.


وإلى اللقاء في الأربعاء القادم ان شاء الله، وسلامة عقلكم، باستا ... باستا!!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/





الأسبوع الخامس والعشرون - احقنه يا وطني

$
0
0



من على قمة جبل قاسيون الأشم المطل على مدينة دمشق، كانت أمي ترقب غروب الشمس الساحر،

وقتئذ ...
كنت طفلا لم يوقد من الشموع أكثر من عشرة، كانت نظراتي واسئلتي خير نبؤة على غباء سيزدان به مستقبلي
دنوت منها، سألتها : لماذا تختبيء الشمس خلف الجبال؟
تبسمت لي فقالت: الشمس في الشرق مثل النساء، تخجل إن حدق الناس فبها كثيرا...
سألتها: أتخجل الشمس منك يا أمي، أوتخجل النساء من النساء؟
زادت بسمة أمي اتساعا وقالت: لست وحدي من يراقب غروبها، أنظر هنالك الكثير من الرجال...
إجابة مقنعة كانت كفيلة لتوقف طفل غبي عن ترديد الأسئلة.
وبعد ثلاثة أعوام...
كانت أمي تقف الوقفة ذاتها، ولكن على أحد شواطيء العاصمة اليونانية "اثينا"...
دنوت منها: سألتها: لماذا تسقط الشمس هنا في البحر؟ لماذا لا تختبيء خلف الجبال مثلما كانت تفعل هناك في دمشق، ثم تشرق من جديد فور مغادرة الرجال، أهي خجلة هنا حد الأنتحار غرقا؟؟


أطرقت أمي هنيهة، ثم قالت: الشمس في أوروبا منعتقة ومتحررة، لا تخجل، لا تغرق، أنها الأن ترتدي ملابس السباحة، وتمارس الغوص، غدا صباحا ستتمخطر في السماء غير أبهة لنظرات الرجال...


أعجبتني شمسهم الجريئة التي تتقن السباحة عكس شمسنا الشرقية التي لا تتقن من الفنون إلا فن الأختباء!!




كبرت، وعلمت أن للناس شمس واحدة، وأن شمس أوروبا هي شمس الوطن العربي ذاتها، ووجدتني مأخوذا بسحر الغروب حتى صار لي من الشموع ثلاثين.


ولا زالت الشمس تغرب في الميعاد نفسه، الصورة لا زالت واحدة في عيني، ولكن المعنى أضحى مختلف، فأنا أشعر مع كل غروب أن الشمس تسقطت في قلبي، لتزيده حرقة على أيامي التي تمضي، وأنا إلى الخلف أمضي، فعند كل مغيب ...


ورقة من أوراق عمري تسقط،


عند كل مغيب ...


طعنة أخرى تستقر في صدري،


عند كل مغيب ...


لهب آخر من الشمس يحرق قلبي المحترق أصلا، أشعر أنني كنت مخدرا لثلاثة عقود، وها أنذا... أستفيق لأشاهد الدمار من حولي.


دماري زجاجي، واذا كسر الزجاج عبثا تحاول إصلاحه، لذلك قررت أن أهجر الوطن العربي الكبير بالمساحات، الضيق على الأبناء.


ولأن الدروب أمامي كلها مسدودة ...


سأستعمل الخطة (ج)، الزواج من "ختيارة" أوروبية أو أمريكية " أمورة" تسحبني إلى بلاد المال والأحلام، لن أكترث إذا عجزت الآلة الحاسبة عن عد أيام عمرها، لن أرتعب من أسنانها الصفراء التي تساقط الكثير منها إذا هي ضحكت أمامي، سأقنع نفسي أن لأسنانها جمال من نوع خاص كجمال أعمدة مدينة جرش الصفراء العريقة، تلك الشواهد التاريخية المرصوفة في تلك المدينة هنا وهناك، لذلك ... سأتذكر الحربين العالميتين الأولى والثانية، كلما نظرت إلى أسنانها، سأتزوج التاريخ، لن أبالي إذا أصبت بـ"دسك" حاد إذا حاولت حملها ليلة الزفاف، فـ "دسك" الظهر أهون علي من "دسك" القلب، لن أبالي إن هي فضلت نزهة برفقة الكلب عن نزهة معي، سأكون أنسان حضاري منفتح على الثقافة الغربية الشغوفة بعشق الكلاب، ثم أن الخلافات تصير في أحسن العائلات!!


لن أكترث إلى نظرات الناس عندما يشاهدونني وأنا أسحب الكرسي لفتاتي الختيارة في منهى "الجنتلمانية"، لن ألقي بالا لأحدهم عندما يقول على مسامعي( يا ماخد القرد على ماله بروح المال وبضل القرد على حاله)، فقد فات القائل بأن المال إن ذهب، فأن الجنسيات في أوروبا لا تسحب، ولا أذكر أنني سمعت أن مواطنا أوروبيا أو أمريكي استيقظ صباحا فوجد نفسه "غير مواطن"!!


لن أكترث لأنني الوحيد من بين اصدقائي الذي لم يقام له حفل زفاف مهيب، فأكثر النساء التي كانت تتمنى أن ترقص يوم زفافي، رحلت منذ سنوات ستة، وصديقي الذي كان يقسم بأن يملاء السماء رصاصا يوم عرسي، هرب إلى أوروبا على متن شاحنة "خردة"، وصديقي الذي وعدني بأن أزف من على ظهر سيارته المكشوفة السقف أفلس وغدا خيال "السرفيس" بعد أن كان خيال " البورش"، فهل أصعد على أكتاف والدي ليركض بي ويزفني في شوارع عمان!!


الآن يتوجب علي بأن أكون على أهبة الإستعداد لزفاف فجائي وطاريء، فقد ألتقي بفتاتي المسنة ( اللي ما الهاش سنان اصلا) عند مطعم هاشم وسط البلد، أو في جبري، أو في مطعم القدس، وأعتقد أن لدي من المواهب ما يكفي لإسعاد فتاتي العجوز، فأنا أكتب، أنظم الشعر، صوتي جميل، أعزف على الجيتار والأورغ، ومع أنني أشعر أن صوت الربابة مثل صرير الباب الصديء، إلا أنني تعلمتها أيضا، فقد تطرب أذن ختيارتي إلى صوت الربابة القادم من صحراء الجميد والمخيض والشنينة،


إذن لم يتبقى إلأ أمر واحدا...


أنا بحاجة إلى تعزيز رجولتي قليلا، وبناء على ذلك، يتوجب علي الالتحاق بأحد مراكز بناء الأجسام، لأصبح مفتول العقل والعضلات معا، أنا بحاجة إلى صدر عامر بالعضلات كي يكون خير جدار استنادي لفتاتي الكهلة إن أرادت البكاء يوما عليه، سألتزم بتعليمات المدرب، سأكل اللحوم والدواجن والأسماك والتي تسرع من نمو العضلات، سأرفع الجرعات التدريبية لأجعلها جرعتين في اليوم الواحد، أعلم أن ذلك سيكلفني أربع أو خمس شهور من التدريب المتواصل، لكن لا يهم، فعلى الرجل أن يجتهد إذا أراد أن يعزز من رجولته، عكس المرأة التي إن أرادت تعزيز أنوثتها، فلا عليها إلا الذهاب إلى لبنان لأخذ أربع جرعات فقط من "السيليكون" كما فعلت الموناليزا في الصورة فوق ( الصورة قبل التجميل في أمريكا وبعدها).




ضاق صدر الوطن العربي الكبير على أبنائه حتى اصطفوا وتكدسوا على أبواب السفارات الغربية أملا في الحصول على حياة، فلماذا يا وطننا العربي لا تحقن صدرك أنت الآخر بـ"السيليكون" مثلما فعلت الموناليزا ومثلها فعلن العديد من بناتك الفنانات، أحقن صدرك يا وطني عله يتسع لنا، فنعيش في كنفك، ونموت على ترابك، احقنه يا وطني عل العنوسة تختفي، فقد هرب الشباب والبنات غدون بلا عرسان


أن لم تفعل يا وطني... فأننا من على ظهرك لراحلون
---------------------------------------------------------------------------

ملاحظة : هذا الإدراج إهداء إلى إنسان أو إنسانة يحبه أو تحبه كثيرا

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


مذكرات أنثى

$
0
0
يوم الأربعاء ليلا، كتبت مقالا قصيرا نتيجة تذكري لحادثة واقعية حصلت أمام عيني، كنت أنوي بأن أجعله إدراج الأربعاء القادم، ولكني أرسلته لجريدة الغد، فقامت الجريدة مشكورة بنشره، ولأن قانون المطبوعات والنشر يحظر إعادة نشر أي مقال موجود على صفحات الجريدة، فقد أحببت أن تشاركوني بها من على صفحات الجريدة
المقال بعنوان مذكرات أنثى على الرابط التالي
http://www.alghad.com/index.php/article/482428.html

الأسبوع السادس والعشرون - قد أسمعت لو ناديت حيا !!

$
0
0


الضيق فسحة، ما دام في البيت إمرأة مدبرة تتكيف ومناخ جيب الزوج الصحراوي الجاف، تلملم خيوط الأزمات وتجدلها لتصبح فتيلا يضيء فضاء المستقبل، هذا ما كان يردده جاري الطاعن في السن والتجربة، ثم كان يستطرد قائلا : "لا زلت أذكر كيف كنت في طفولتي أمضي عاما كاملا بفصوله الأربعة في انتظار نمو قدمي حتى تملأ حذائي الواسع؛ فأمي المدبرة بامتياز كانت تتخيره واسعا حتى يدوم فترة أطول، كانت تضغط على مقدمة الحذاء، فإذا كانت مسافة الفراغ بقدر بوصة كاملة، تمت الصفقة وكان الحذاء من نصيبي، فقد كانت تقول أن أقدام الأطفال تنمو في الطريق بين دكان الأحذية والبيت" !!



أحيانا كان يساورني الشك في مصداقية الحديث، تحديدا عندما يهرش رأسه الأملس، ويكثر من الصلاة على النبي، فيكون ذلك مثل المساحة البيضاء بين فقرتين، فما الذي يدعو رجلا متين الذاكرة إلى التوقف عن السرد إلا محاولات منه لاستذكار الفقرة الأولى من الحديث حتى يؤلف فقرة ثانية مترابطة مع سابقتها، كما أن غياب الشهود – إذ مات أبناء جيله – يعزز شكي، بيد أني سرعان ما كنت أستغفر الله، وألوح بيدي من فوق رأسي مبعدا تلك الظنون المعترضة السيئة !!


اليوم ، وبعد مرور وقت طويل على هذه الجلسات التي كنت ألقي السمع فيها مثل تلميذ مثابر، وجدته يخطر على بالي، فأنا عندما تزوجت، فارقت الخصوبة جيبي وانتقلت إلى صلبي؛ فرزقني الله بأربعة توائم ملأوا علي وزوجتي فضاء بيتنا الضيق أصلا، وبعد أن خرجت سالما معافى من المرحلة الأولى في معركة التربية الطويلة (مرحلة الحليب والبامبرز)، دخلت إلى المرحلة الثانية (مرحلة المدارس) والتي وجدت نفسي فيها مضطرا لتطبيق "الرؤية الإقتصادية" لجاري العجوز، فأولية التعليم تفرض علي أن أقنن المصاريف في كل الأمور الأخرى.


زوجتي المدبرة والتي انفرجت اسارير وجهها عند سماعها للخطة، سرعان ما أدخلت البرنامج الإقتصادي الجديد حيز التنفيذ، ولأن الغزالة الماهرة تغزل بقدم واحدة، فقد كانت أحذية الأولاد أوسع بمقدار بوصتين وليس بوصة واحدة !!


نمت ملء جفني لما بالغت في الاطمئنان لهدوء الليالي، ولكن ولدي اقتلع السكينة من جوفي، عندما دفن رأسه في صدري باكيا؛ فقد أخبرني بأنه صار موضع التندر في المدرسة منذ اللحظة الأولى التي انتعل فيها ذلك الحذاء العملاق !!


لم أنم في تلك الليلة إلا لماما، وكنت ألعن جاري العجوز الذي أرادني خانعا مثله، فعلى الإنسان أن يتعلم السباحة حتى يخرج من الوحل، لا أن يستلذ الغوص فيه، وفي غفواتي القصيرة التي تخللت يقظتي الطويلة، رأيت كل الأحرار والثائرين : "جيفارا" بلحيته الدقيقة، "غاندي" بثيابه البيضاء والتي كنت أحسبها في طفولتي ملابس إحرام، وغيرهم الكثير ..، أشتعل الدم في عروقي، وما أن أطل النهار حتى وجدت قدمي تذهبان بي إلى الخطاط، والذي خرجت من عنده بيافطة عملاقة، أمتلأت عن آخرها بالمطالب، مطالب من مثل : عدالة إجتماعية، محاكمة الفاسدين، إعادة المال المنهوب ..، وما أثار دهشتي أن الخطاط ناولني طلبي قبل أن ألقي عليه السلام، وعندما رأى أن عيني تحولتا إلى علامتي تعجب، تبسم قائلا : " لا تتعجب، فعندما قرأت وجهك البائس، عرفت أي نوع من اليافطات تريد، واحتفاظي بعدد كبير منها مرده الطلب المتزايد عليها " وحده الخطاط المستفيد من هذا الفساد !!


استوقفني جاري العجوز فور عودتي من عند الخطاط، أخذ اليافطة من يدي، فردها في الهواء، وراح يتأمل فيها مثل خبير عتيق، ثم قال : " عليك أن تستبدلها بأخرى يكون قماشها إنجليزيا، كما يتوجب عليك أن تعدل عليها، طالب بإقالة رئيس الوزراء دون ذكر اسمه، طالب بمحاكمة الفاسدين دون ذكر أسمائهم أيضا"، بيد أني لم أحفل بما قال، فآراؤه عندي مجروحة، ولم يكن وقوفي معه إلا احتراما لتلك (الصلعة) المحفوفة بالشيب !!


وهكذا وجدتني أخرج من بيتي في كل جمعة، وفي يميني سجادة الصلاة، وفي شمالي يافطتي المطالبة بحقوقي، وما أن يسلم الإمام حتى أنطلق إلى الشارع هاتفا بمحاكمة "ناهب ابو السرقات" الذي هرب بأموالنا خارج البلاد، ومناديا بإسقاط الحكومة، حتى أنني رفعت الكلفة بيني وبين رئيس الوزراء، وصرت أنادي عليه باسمه المجرد، وفي المرات التي كانت ترمقني فيها زوجتي بنظرات الرثاء والشفقة، عندما كانت ترى وجهي الذي لوحته الشمس، وتسمع صوتي الذي جرحه الصراخ، كنت أرفع اليافطة عاليا وأقول لها : " هانت كلها جمعات معدودة، ويعود حقي، ونستبدل هذه اليافطة بمنقل للشواء، وتصبح جمعاتنا حفلات شواء !!


مرت أعوام ولم يتغير أي شيء، أختفى صوتي، وأحرقت الشموس جلدي، وهكذا وجدتني ذاهبا إلى الرجل العجوز، حتى أسلم له رأسي، فالأولاد صاروا اليوم حفاة، فرحم الله أيام الحذاء الواسع، وما كان طلبه مني بأن أستبدل قماش اليافطة بآخر أنجليزي إلا لتصمد في وجه التقلبات المناخية، لأن المسيرات سوف تطول، وتمضي عليها المواسم والفصول، وما طلب مني أن لا أكتب اسم رئيس الوزراء، إلا لعلمه بأني سأطالب برحيل كل رئيس جديد، فالكراسي تجلس على كراسي ليذهب الظالم ويأتي القاسي، لكنني عندما اقتربت من الكرسي الذي اعتدت أن أراه _ أي جاري العجوز _ يجلس عليه، وجدته فارغا


مات العجوز ولم يمت الفساد !!


جلست مكانه ... وكلما رأيت شابا يركب قطار الإصلاح، أنزلته عنوة وأركبته الطائرة !!

www.osbo3yatjaber.blogspot.com

الأسبوع السابع والعشرون - المشهد الأخير

$
0
0


تبدأ الحكاية عندما يكتظ الفضاء بالغاز الفاسد، تملأ الرئات بالقهر، تزكم الأنوف؛ فيصير تنشق حياة اعتيادية أمرا غاية في المشقة، ينحسر الأكسجين في فضاء ضيق يتسع فقط لصاحب المقام الرفيع وعائلته، وذوي المنفعة، ولما كان من سنن الكون، أن انتشار الغاز الفاسد يكون مشروطا بغياب ذوي الألباب وأصحاب الرأي الرشيد، القابعين في غياهب الزنازين؛ فأن أحدا لم يحذر صاحب المقام الرفيع بأن الغاز الفاسد سريع الإشتعال !



يرضى الشاب الجامعي ببيع الخضار، ولكنها لا ترضى به، تقلب بسطته؛ فيؤثر أن يكون رمادا لما يوقن أن الأرض لا تتسع لأي كتلة صلصالية خاوية، يشعل النار في نفسه، فما يلتقط الغاز الفاسد تلك الشرارة حتى يحترق الفضاء بأكمله، تطال النار هواء صاحب المقام الرفيع المعقم، فيسارع إلى زيارة "رمز" الثورة، يحرص على الابتسام لالتقاط صورة إلى جانبه، علها تطفيء اللهب العام، لكن "الرمز" لا يبتسم لأنه صار جثة متفحمة تلاشت ملامحها !


يعلو أجيج اللهب؛ فيظهر صاحب المقام الرفيع بكامل كبريائه مساء، ويعد الناس بالإصلاح، فيأتي الجواب " الئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يظهر كرة ثانية بكبرياء غير مكتمل، يستأذنهم الجلوس ثلاثة أعوام أخرى، لكن هيهات ... هيهات؛ فقلب الشعب ما عاد يحتمل وزنه الزائد دقيقة أخرى، يظهر للمرة الأخيرة مجردا من كبريائه، يجزم بصوته المكسور أنه الآن فقط فهمهم ... أي نعم فهمهم ... فهمهم ..؛ فيستعر الفضاء أكثر، إذ لو كان واحدا منهم لما أصر على الخروج برأسه الأسود خلافا عن رؤوسهم البيضاء التي ( هرمت من أجل هذه اللحظة التاريخية ) !!


تنضب الحيل؛ فيستدعي صاحب المقام الرفيع قائد الجيش إلى قصره الذي لن ينام فيه بعد الآن، يأمره بأن يطفيء النار بالدم، ناسيا أن الدم أسرع اشتعالا من الغاز الفاسد؛ فيرفض قائد الجيش عقوق أبيه، يبتسم صاحب المقام الرفيع مزهوا، فيرد قائد الجيش ببسمة مضادة لما يعلم أن صاحب المقام الرفيع أخطأ فهم المجاز، فابن الشعب لم يكن يوما ابنا للرئيس، وإن اجتمعت في هذا الرئيس كل مواصفات "الزين" !!


ضاقت على الرئيس كأنها تابوت؛ فلا عاصم له اليوم من اللهب ..، إلى المطار.. حيث الخرم الأخير في التابوت المستعر، يصعد سلم الطائرة بخطوات شديدة الإضطراب؛ فلا شيء فيه اليوم "زين"!، تصعد خلف الرجل العظيم المرأة التي كانت قبل الآن سيدة أولى، الآن فقط تتمنى لو أنها ليست وراءه، ولا إلى جانبه، ولا حتى في مخيلته، تتمنى لو أنه ظلت (كوافيرة) تشرب الشاي برفقة النسوة بعد نهار عمل طويل، هذي التي ظنت أن البلاد لها، تتمنى الآن لو أن لها ذرة من تراب "تونس" علها تحملها !!


تحلق الطائرة التي تقل الأسرة المنكوبة، والتي تركت وراءها كنوز الماس والذهب واليورو والدولار، تحلق في الفضاء المظلم، بداية، تتجه إلى باريس، بيد أن مدينة الأضواء ترفض استقبالهم درءا لــ(وجع الراس)؛ فالعائلة التي كان يفتح لها قصر فرساي صارت اليوم مصدرا لوجع الرأس!، يلتفت الطيار إلى الرجل الذي صار اليوم "زين" من هرب، بعد أن كان "زين" من عبد، ويسأله عن الوجهة التالية، يطرق الرئيس ثم يقول : إلى المجهول، وهكذا يصبح المجهول المعتم أرحم من مسقط الرأس !!


ينظر الأستاذ في ساعته، خمس دقائق وتنتهي الحصة، يسأل التلاميذ: هل عرفتم قصة من هذه كانت؟، فيجيب التلميذ : زين الهاربين، ويجيب آخر : السبعيني ذي الشعر الأسود، ويجيب ثالث: فهمتكم !، يتبسم الأستاذ لأن صورة الرئيس البهية بشعره المصفف الأنيق وبذلاته البيضاء الفاقع لونها، لم تلتصق بذاكرة أحد منهم، وما التصقت إلا صورة الرجل المهزوم المكسور، الذي بعد أن فهم ناسه، ولى هاربا !!


يخرج الأستاذ من غرفة الصف، وهو يدعو الله بحسن المشهد الأخير

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


Viewing all 40 articles
Browse latest View live